ينفرد منزل النحات حسن عزيز محمد بموقع متميز في قلب مدينة طرطوس حيث يجمع في انحائه ملامح بيت ريفي تحول في عدة أجزاء منه إلى مشغل فني ومعرض لمئات المنحوتات الحجرية والخشبية.
وتتناثر القطع الفنية بخاماتها الطبيعية لتزيد من فرادة المكان وانسجامه مع محيط ساحر في بساطته واطلالته البحرية حيث طوع النحات مختلف العناصر المتوافرة في هذا المحيط ليسكب فيها أفكاره وتأملاته في جسد الإنسان وأوجاع روحه التواقة للجمال إلى جانب استحضاره ملامح الحضارة الفينيقية ووجوه أبنائها وآثارهم الخالدة وصولا إلى آلام السوريين في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلدهم.
ويشير النحات محمد في حديث لـ سانا إلى عمر مشغله الذي يزيد على سبع سنوات ترجم خلالها افكارا ألهبت خياله فجعلته يبذل جهدا متواصلا مستفيدا من تفرغه التام للفن ومسخرا أنواع الحجر والخشب في الساحل والجبل لإيجاد الأساس الأمثل لتجسيد الفكرة حيث يبدو الحجر الرملي المتلون بلون رمال البحر أكثر حضورا من غيره.
ويبين محمد الذي شارك في عشرات المعارض ومنها معارض مهرجانات عمريت والشيخ صالح العلي وأم الربيعين ومشتى الحلو وصافيتا والمعرض الجوال لفناني سورية أن مزايا الحجر الرملي الأحمر والأصفر تبرز في تناغمه مع الطبيعة من حوله كونه الحجر الذي استخدمه الفينيقيون لبناء طرطوس القديمة والذي يأخذ الزوار انطباعا أوليا بأنه حجر صناعي مجمعين على ما يثيره من إحساس بالتاريخ القديم ما يرفع من سوية تذوقهم للمنحوتات التي تحاكي آثار طرطوس وحضارتها كالسفينة الفينيقية والطاحونة التي تمثل البرج الدفاعي الجنوبي الغربي عن المدينة القديمة إضافة إلى مدافن مدينة عمريت التي كان يجري حولها أقدم طواف بشري في التاريخ.
وإلى جانب الحجر الرملي يفضل النحات محمد التدرج إلى أنواع أكثر قساوة تمثل تحديا كبيرا لأدواته كالصوان والحجر البحري والنهري والكوارتز والغرانيت والبازلت بأنواعه مكونا نماذج نحتية ينتمي أغلبها إلى المدرسة التعبيرية والتعبيرية الواقعية مزاوجا بين الحجر والمعدن في بعض اعماله لاضفاء مزيد من القسوة ولا سيما على المنحوتات التي استوحاها من الأزمة الراهنة ومواجهة سورية للإرهاب وداعميه.
ويلفت محمد إلى أن غنى الطبيعة في طرطوس ينبه الفنان دوما إلى خامات جديرة بالعمل عليها وتشكيلها ولا سيما خشب الصنوبر والزيتون والسنديان والتوت والزان والكينا والمرجان البحري موضحا أن الرسم بالألوان الزيتية شكل اغراء له حيث رسم العديد من اللوحات مثلت أحياء سورية عريقة وإن بقي ميله الأكبر إلى النحت.
ولا يطلق محمد أي أسماء على منحوتاته مفضلا أن يجعلها تترك أثرها المطلوب في النفس حيث يرى أن كتابة اسم أو أي توصيف آخر على منحوتة ما يمنع المشاهد من اكتشاف ما تمثله وتعبر عنه مشيرا إلى أن عمله تأثر ككثير من الأعمال الأخرى بارتفاع أسعار موادها جراء الأزمة والحصار الاقتصادي ما أدى لصعوبة تأمين العديد من المواد بسبب ارتفاع أسعارها أضعافا وخصوصا منها الأدوات الكهربائية المزودة برؤوس الألماس المجهزة للتعامل مع الحجر.
ومن معرضه الفردي الأول عام 2003 وصلت مشاركات محمد إلى أهم مراحلها ونضجها الفني وذلك في الملتقى الأول للنحت بطرطوس عام 2010 الذي ضم منحوتات 17 فنانا محليا إلى جانب إسهامه في نحت بانوراما المجاهد الشيخ خليل الخطيب على جرف صخري ببلدة برمانة المشايخ بمشاركة سبعة نحاتين آخرين حيث يعد هذا العمل الأضخم من نوعه عربيا إذ يبلغ طوله ثلاثين مترا وارتفاعه نحو خمسة أمتار.
ويشير محمد إلى أهمية التقدير المعنوي للنحات من خلال الاهتمام بمنحوتته وعدم إهمال جهده الواضح وخصوصا في عمل جماعي بحجم بانوراما المجاهد الخطيب والذي لا بد من إبراز جميع الفنانين الذين شاركوا فيه على مدى ستة أشهر من العمل المتواصل في ظروف مناخية صعبة ومخاطر تتمثل في النحت على صخور وعرة ومرتفعة مبينا ان الاهتمام بالنحات يأتي من الاهتمام بالمنحوتة نفسها فالمنحوتات الخشبية والحجرية التي عرضت في ملتقى النحت الأول كان ينبغي أن تجد عناية أكبر من ناحية طريقة تنصيبها وعرضها على الكورنيش لإبراز جمالها وقيمتها ولا سيما في مكان مثل طرطوس له من المكانة التاريخية كمدينة فينيقية ما يغري بملء شاطئها وشوارعها وحدائقها بالمنحوتات المعبرة عن هوية المكان وخصوصيته الفنية.
ولا يقتصر عمل الفنان محمد على منحوتاته بل يكرس ساعات من وقته لتعليم عدد من الهواة من الأطفال والشباب أصول النحت حيث يلاحظ وجود مواهب واعدة لا بد من رعايتها وأن يعمل أصحابها على تثقيف وتدريب أنفسهم أكثر لصقل مواهبهم وتحقيق طموحهم الفني.