بانوراما سورية:
هذا اليوم الأربعاء هو منتصف شهر نيسان المصادف الخامس عشر منه، أي بعد يومين من ذكرى وفاة المجاهد الشيخ صالح العلي، التي كانت في الثالث عشر منه عام / 1950 /، وأيضا هذا اليوم – الخامس عشر من نيسان – هو قبل يومين من ذكرى الاستقلال الذي كان في السابع عشر من نيسان عام 1946. وقد قيل أن ولادة الشيخ كانت أيضا في هذا الشهر.
لقد منعنا وباء الكورونا هذا العام، من أن نكون اليوم ويوم أمس وغد، في ساحة ضريح الشيخ المجاهد في مدينة الشيخ بدر، للاحتفال في مهرجانه الثالث والعشرين، لمدة ثلاثة أيام، على غرار الأعوام السابقة، إذ كان من المعتاد أن تبدأ احتفالات المهرجان في الرابع عشر من نيسان كل عام، بحضور المئات من القيادات السياسية والإدارية في المحافظة، وعشرات من المحافظات الأخرى، وعشرات الأدباء والشعراء، والآلاف من جماهير المحافظة والضيوف القادمون من المحافظات الأخرى، وذلك بمناسبة ذكرى عيد الجلاء، تقديرا لجهاد الشيخ في مواجهة الاحتلال، حيث كانت الرصاصة الأولى في مواجهة الجيش الفرنسي المستعمر الذي بدأ غزو سورية من الساحل السوري عام / 1918 /، من فوهة بندقية الشيخ صالح، عندما حط الفرنسيون رحالهم على شاطئ طرطوس، وقد قتل يومها – مع رفاقه المجاهدين – عددا كبيرا من الجنود الفرنسيين، ولولا نيران البوارج الحربية الفرنسية الراسية في البحر قبالة الشاطئ، ما كان ليخرج أي فرنسي حيا من تلك المعركة، لكن الشيخ اضطر حينئذ للانسحاب تحت وابل قذائف المدفعية المعادية، إلى مقر الثورة في الشيخ بدر، ليحضِّر لهجوم ثاني، أعقبه عشرات المعارك التي خاضها الشيخ ضد الجيش الفرنسي، في وديان وسفوح وجبال الساحل السوري لمدة ثلاث سنوات ونصف، أرهقت الفرنسيين أيما إرهاق، باعترافهم المدوَّن في الكتاب الذهبي الفرنسي، وقد شهد الشيخ اندحار المستعمر، وتحقَّق الجلاء في حياته، وحضر احتفال الجلاء الأول، وكانت له كلمة رائدة جاء فيها:
السلام عليكم يا إخواني المجاهدين ، السلام عليكِ يا مهدَ العروبة النقية، يا دمشقْ، السلام على كل عربي صادقٍ مخلص، قال الله تعال: ” وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ” …… الحمد لله الذي أحياني حتى رأيت نتائج جهاد الأمة، ورأيت الشعب يقطف ثمرات جهاده الطويل ….. إن الاستقلال الذي نتمتع به الآن طليقا من كل قيد ، نقيا من كل شائبة، إن هو إلا ثمرة جهاد طويل، أريقت فيه دماء زكية واستشهد فيه أناس كثيرون……. أيها السادة أحب أن لا تقعد بكم سلافة الفوز عن القيام بالواجبات المفروضة على كل منكم تجاه أمته وبلاده، وهي واجبات جسيمة، تتطلب منكم السهر والحذر والعمل بلا إبطاء، والجد بلا تهاون، فالبلاد الآن بأمس الحاجة إلى أبنائها العاملين ورجالها المخلصين، لإصلاح ما أفسده المستعمر، وللقضاء على طائفية بغيضة ورجعية مقيتة، فنحن لا نزال في صميم الجهاد، لقد انتهينا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ونحن أحوج ما نكون إلى التكاتف والتضامن، وإلى الإخاء والتعاون ، وإن أي انحلال في الصفوف، من شأنه أن يؤثر على سفينة الإصلاح.
لقد كان الشيخ صالح تقيا نقيا، عالما في دينه، وشاعرا متميزا، له عشرات القصائد في الجانب الديني والوطني والاجتماعي، والعشرات منها كانت عن انتصاراته في معاركه. وجاء في إحداها قوله:
يـا فـرنسـا لا تـرومـي شـرقنـا ….. إنَّــهُ الغيـــلُ وفي الغيــلِ أســـودْ
فســرايـــا يعـــربٍ إن طـلعـــتْ ….. تمــلأ الــدُّنيـــا عتـــادا وجنــــودْ
يـــا فــرنســـا لا تـظنِّــي أننـــا ….. نقبـل الخسْــف فمــا نحـنُ عبيـدْ
لقد صدرت عدة مؤلفات قيِّمة جدا وموثقة، عن ثورة الشيخ المجاهد، من عدد من الأدباء والمفكرين وكان أولها الكتاب الذي ألفه الدكتور عبد اللطيف اليونس، الذي تميَّز بإخلاصه الصَّادق الكبير نحو الشَّيخ المجاهد، وقد تمت طباعة كتابه عدة طبعات، و صدرت إحداها عن وزارة الثقافة.
ربَّاه قدِّسْ روحَ شيخٍ صالحٍ …… شيخ الجهادِ الصَّادق الحرِّ الأمينْ
واحــمِ بـلادا عـزَّها بجهـاده …… والعِـزُّ يزهـو بالرِّجـال المخلصين
من منهم البشَّار شِبل الحافـظِ …… القـائـد المقـدام للجيــش الرَّصيـن
وامنحـه يـا ربـاه خيرة شعبـه…… عـونـا له في وجـه كـل الفاسديـن
15 نيسان / 2020
عبد اللطيف عباس شعبان