قد يكون السكن مشكلة حقيقية في معظم المحافظات لكنه ليس كذلك بالنسبة لمحافظة طرطوس والتي استطاعت أن تستوعب أكثر من نصف مليون وافد ومازالت هناك الكثير من المطارح السكنية شاغرة وخاصة في ريف المحافظة،
ومع هذا فإن تركيزاً واضحاً من قبل الجهات المختلفة على موضوع السكن تحت مسميات مختلفة « سكن عمالي – سكن شبابي – سكن شعبي…»، ويغمز الكثيرون إلى الغايات المعلنة من هذه المشاريع تختلف عما تنتجه تفاصيل العمل في هذه المشاريع..
لا نريد أن نعمّم انطباعاً تولّد لدى الكثيرين ملخصه أنه لا أحد يفكّر بالمواطن وأنه وحده من يدفع الثمن في كل المواقع وعلى جميع الأصعدة..
إن طالبنا بإلغاء قرار الاستملاك رقم /82/ تاريخ 5/1/2010 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء والقاضي باستملاك /20/ هكتارا في العقار /1/ من العنابية والعقارين /8-61/ من منطقة أبو عفصة في محافظة طرطوس لصالح السكن الشبابي نعلم أننا سنلحق الأذى والضرر بالمكتتبين على شقق سكنية في هذا المشروع، وإن سلّمنا بهذا القرار وطالبنا الجهات المعنية بتسريع العمل والتنفيذ في مشروع السكن الشبابي فإننا نساهم بضياع حق أصحاب العقارات المذكورة..
لن نُكثر من المقدمات وسندخل في تفاصيل الموضوع مباشرة حيث ما زال الاعتراض قائماً على استملاك بعض أجزاء العقارات في منطقتي العنابية وابو عفصة العقاريتين لصالح مشروع السكن الشبابي في حين أن الجهات الرسمية وبعد الأخذ والرد ومحاولات إيجاد البديل لهذه الاستملاكات عادت لتؤكد أهمية تنفيذ الاستملاك ومتابعة العمل في السكن الشبابي والذي كان من المفترض أن ينتهي العمل فيه عام 2012، وسنبدأ من آخر التطورات وأحدثها ونعني كتاب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات رقم 147/4 تاريخ 17/6/2013 والموّجه إلى السيد وزير الإسكان والتنمية العمرانية والذي يقول: (.. إشارة إلى كتابكم رقم 1490/ص.د تاريخ 23/5/2013، المعطوف على كتاب وزير الزراعة رقم 360/ش.ز1 تاريخ 11/4/2013 المتعلق بإلغاء استملاك العقارات المستملكة في منطقة جنوب أبو عفصة لصالح السكن الشبابي ، حيث تضمن كتابكم التأكيد على حاجة المؤسسة لهذا الاستملاك لتنفيذ التزاماتها أمام المكتتبين المنتهية بنهاية 2012، وبالتالي رتّبت عليها التزامات نتيجة التأخير الخارج عن إرادتها، وانتهى إلى طلب التوجيهات المباشرة والنهائية لمتابعة السير بإجراءات الاستملاك لإنجاز هذا المشروع الحيوي والهام، وبدراسة كافة الوثائق الواردة وبعد العرض على السيد رئيس مجلس الوزراء نعلمكم موافقته على تنفيذ المشروع وفق غاية الاستملاك، بالنظر إلى أن أراضي طرطوس هي أراض زراعية ومروية وستبقى مشكلة اعتراض مالكي العقارات قائمة في كل المواقع، فضلاً عن أن عدم تنفيذ المشروع سيرتب على المؤسسة التزامات مالية وقانونية تجاه المكتتبين..).
جاء الفرج
وعلى مبدأ «جاء الفرج» أسرعت المؤسسة العامة للإسكان – فرع طرطوس إلى توجيه الكتاب رقم1010/ص تاريخ 8/7/2013 إلى المحافظ وتقـول فيه: ( إشارة إلى كتاب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات رقم 147/4 تاريخ 17/6/2013 الموجه إلى وزير الإسكان والتنمية العمرانية المعطوف على… إلى آخر ما ذُكر آنفاً، تطلب المؤسسة بهذا الكتاب: يرجى الإطلاع والإيعاز إلى مجلس مدينة طرطوس للإسراع بإنجاز الإضبارة الاستملاكية، إلى المؤسسة العامة للإسكان أصولاً نظراً لحاجة المؤسسة لهذا الاستملاك لتنفيذ التزاماتها أمام المكتتبين المنتهية بنهاية عام 2012 وكون الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية أنهت المرحلة الأولى من المشروع وقد صرفت المؤسسة العامة للإسكان استحقاقاتها المالية ولم تتمكن الشركة المذكورة من إتمام المرحلة الثانية من المشروع بسبب عدم الدخول إلى الأرض وإتمام عملية أخذ السبور).
وقبل ذلك
خاطبت محافظة طرطوس نائب رئيس مجلس الوزراء – وزير الإدارة المحلية بالكتاب رقم 80/ص/10/11 تاريخ 13/1/2013 والذي تضمن الاقتراحات التي توصلت إليها اللجنة المشكلة من قبل المحافظ لمعالجة ومناقشة موضوع البدلات والنسب المطروحة من قبل المؤسسة العامة للإسكان للأراضي المستملكة لصالح مشروع السكن الشبابي في أجزاء العقارات ذوات الأرقام /8-61/ منطقة أبو عفصة و/1/ منطقة العنابية العقارية ودراسة إمكانية ملاءمة الشريحة الأولى المملوكة من قبل وزارة السياحة لتكون بديلاً عن العقارات المستملكة وبعد عقد عدة اجتماعات توصلت هذه اللجنة إلى:
عدم قبول الفلاحين لأي نسبة من النسب المطروحة وأصرّوا على بقاء الأراضي وفق صفتها زراعية.
عدم صلاحية الشريحة الأولى كبديل عن الاستملاكات للأراضي الزراعية بسبب أن هذه الشريحة مشغولة بمشروع مخيم الكرنك السياحي بمساحة /10/ هكتار وقد تمّ توقيع العقد بين منظمة الهلال الأحمر ووزارة السياحة من أجل استثمار هذا الموقع لمدة عشرين عام وجزء آخر منه مقرر أن يكون موقعاً بديلاً لشاغلي شاليهات الأحلام، وجزء منه مثبت بأنه منطقة أثرية وبالتالي لا يفي بالغرض.
تمّ استعراض بقية الشرائح الخمس المتبقية من الشريحة /2/ وحتى الشريحة /6/ فتبيّن أن هناك إمكانية للموقع البديل ضمن الشريحة السادسة نظراً لعمقها واتساع رقعتها وقربها من المنطقة المستملكة لصالح السكن الشبابي وبالتالي يمكن تخصيص جزء منها يعادل المساحة المستملكة مع بقاء الجزء الآخر المتبقي منها صالحاً للاستثمار السياحي ولكن لكي يتمّ التخصيص لا بد من اتخاذ الإجراءات التالية:
– موافقة وزارة الثقافة على إجراء عملية الكشف والتنقيب في الموقع المذكور لبيان إمكانية تحرير المنطقة من الآثار والإشارة الأثرية الموضوعة بموجب القرار رقم 214/أ للعام 2005 وخلال فترة زمنية لا تتجاوز الثلاثة أشهر بعد رصد الاعتمادات اللازمة.
– في حال عدم وجود آثار ثابتة ومسجلة يصار إلى مخاطبة وزارة السياحة لأخذ الموافقة على التخصيص باعتبارها الجهة المالكة لهذه المساحات وفق مراسيم الاستملاك الصادرة بهذا الخصوص.
ونظراً لما لهذا الموضوع من أهمية على صعيد المحافظة من خلال الإسراع وتسهيل تنفيذ مشروع السكن الشبابي فيها أم لجهة رفع الحيف الذي لحق بالفلاحين واستقرارهم في أراضيهم والمحافظة عليها بصفتها الزراعية وايضاً استثمار تلك الأراضي التي مضى على استملاكها أكثر من ثلاثين عاما وبالاعبتار أن هذا الموضوع يحتاج إلى معالجة مركزية نرجو التكرّم بالإطلاع والنظر بالموافقة على رفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء
للتوجيه بالإجراءات الواجبة الاتباع.
كما أحال نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات كتباً عديدة للجهات ذات العلاقة على طريق إيجاد حلّ لهذه المعضلة ونكتفي هنا بالإشارة إلى مضمون الردود على هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر، حيث قالت وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار والمتاحف وفي كتابها رقم 1191 ص /5 الموجّه إلى نائب رئيس مجلس الوزراء ( نعلمكم عدم الموافقة على مقترح إقامة مشروع السكن الشبابي على مساحة الأرض العائدة ملكيتها لوزارة السياحة والواقعة حسب المخطط في الشريحة /6/ بدلاً من المساحة المستملكة لهذا الغرض لأن هذه الشريحة تقع ضمن حدود موقع عمريت المسجل أثرياً…).
مفردات الشكوى
تحدثنا في أكثر من مرة سابقة عن هذه المعضلة وعرضنا لوجهات نظر الأهالي والقائمين على الاستملاك وعلى مشروع السكن الشبابي ولن نكرر ما ذكرناه سابقاً ولكن لا بأس من المرور سريعاً على موجز شكوى اصحاب العقارات المستملكة حيث يرون أن أراضيهم استولي عليهم بطريقة غير قانونية لأنهم لم يتبلغوا قرار الاستملاك ليعترضوا عليه خلال المدة القانونية واكتفت الجهة المستملكة بالإعلان عن ذلك في الصحف وأنه تمّ استبعاد ممثلي اتحاد الفلاحين ومديرية الزراعة من لجنة الاستملاك لعدم موافقتهما على الاستملاك في اللجنة الأولى وأنه تمّ توصيف الأرض على أنها بعل مشجرة حديثاً والحقيقة أنها مروية وفيها حوالي /6100/ شجرة…
وتقول شكوى أصحاب العقارات المستملكة:
العقارات المستملكة مملوكة على الشيوع ويوجد فيها أكثر من مئة مالك والجزء الزراعي منها تمّ استملاكه على القانون 20، وأنه تمّ اختيار الموقع بناء على تقاطع مصالح أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين الذين قاموا بشراء عقارات مجاورة لهذه العقارات قبل استملاكها مباشرة وتمّ تحييد عقاراتهم عن الاستملاك..
مسألة أخرى نوردها على ذمة أصحاب الشكوى وتقول إنه تمّ تخصيص /25/ هكتارا من العقار /55/ أملاك دولة في قرية أبو عفصة لصالح السكن الشبابي وذلك بالكتاب رقم 113 تاريخ 20/9/2009 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء وحتى تاريخه لم يتمّ نقل الملكية من وزارة الزراعة إلى المؤسسة العامة للإسكان علماً أنه تمّ إشادة المشروع الأول قرب دوار الشيخ صالح العلي والبالغ عدد شققه /1032/ شقة بمساحة قدرها /38/ دونماً مع الإشارة إلى أن إجمالي عدد المكتتبين هو /3774/ وبالتالي يبقى للمشروع الثاني /2742/ شقة وبإجراء مقارنة بين مساحة المشروع الأول والمساحة اللازمة للمشروع الثاني يتبيّن لنا أن المساحة المخصصة في العقار /55/ تكفي وتزيد لإشادة كامل المشروع فلماذا الاستملاك في الارض الزراعية العائدة للفلاحين؟
بين فكّي كماشة
كثيراً ما نجد أنفسنا بين «فكّي كماشة» في عديد الشكاوى التي تُعرض علينا فلا نعرف إلى أين نتجه بكتابتنا، فإن وقفنا إلى جانب أصحاب الشكوى فقد يتهمنا البعض بعرقلة مشاريع حيوية وإن وقفنا على الضفّة الأخرى نتحوّل إلى «شهود زور» على ضياع حقوق المتضررين، والسبب الذي يضعنا في هذه المواقف الحرجة هو أن كل جهة تعمل لمصلحتها ودون أي تنسيق مع جهات أخرى لها علاقة بالموضوع..
من حقّنا أن نتساءل مع أصحاب الشكوى لماذا يصرّون على استملاك الأراضي الزراعية الخصبة بحجة أن كل أراضي طرطوس زراعية والحقيقة أن هناك الكثير من المواقع التي لا يوجد بها إلا بعض الأشجار الحراجية لكن لجان الاستملاك ترى دائماً في المواطن العادي الحلقة الأضعف والأسهل لاستملاك أرضه فذلك أسهل من صراعها مع مديرية الأحراج أم مع الوزارات الأخرى!
المسألة الثانية لماذا يتمّ استملاك الأراضي بصفتها الزراعية طالما أنّها ستُنظّم، ولماذا لا يتمّ تنظيمها قبل استملاكها فعلى الأقل يُنصف أصحاب العقارات المستملكة مادياً؟
في معظم كتب وردود المؤسسة العامة للإسكان فإن حرصها يبدو واضحاً على عدم وقوعها تحت المسؤولية القانونية تجاه المكتتبين وأن كل همّها هو تنفيذ الاستملاك ليمضي مشروعها كما رسمت له دون الالتفات لمصلحة أصحاب العقارات..
في ذات السياق، وقبل أن تطرح المؤسسة العامة للإسكان مشروعها وشققها للاكتتاب أما كان عليها أن تكون قد جهّزت الأرض اللازمة للبناء وهل من السليم أن نبني ونبيع على الورق ومن ثم ندخل مثل هذه المتاهة في البحث عن أرض؟
سؤال آخر نستوحيه من مفردات شكوى المتضررين وملخصه: هل من المعقول أن تُستملك أراضينا من أجل توفير السكن لغيرنا بينما لا نجد نحن لاحقاً أرضاً نبني عليها لأولادنا؟
في مناقشات اللجنة المشكلة لدراسة المواقع البديلة للأرض المستملكة تحدث رئيس دائرة الآثار في طرطوس أن جزءاً من الشريحة الأولى مخصص ليكون بديلاً لشاغلي شاليهات الأحلام!
لا نريد أن يُفهّم من كلامنا أننا مع تعطيل مشروع السكن الشبابي بل على العكس فنحن مع الإسراع بإكماله والتعويض على المتضررين جراء تأخّر تنفيذه ولكن لسنا مع استملاك هذه الأراضي المشجرة والخصبة وبهذا السعر /240/ ليرة للمتر المربع في حين أن هذا السعر سيتضاعف عدة مرات عندما تُنظّم هذه العقارات وتصبح داخل المخطط التنظيمي.
خلاصة الكلام
هناك الكثير من التفاصيل التي تستحق التوقّف عندها وقد زار محافظ طرطوس الأراضي المستملكة والتقى بعض أصحابها وطلب إيجاد الأرض البديلة وكل ما يمكننا إضافته لهذه القضية المهمة هو طلب تغيير صفة الأرض قبل استملاكها لإنصاف مالكيها كحدّ أدنى من العدل أو تلبية مطالب المالكين بإلغاء الاستملاك وتوفير عقار جديد لصالح مشروع السكن الشبابي بأسرع وقت..
تحقيق – غــانــم مــحــمــد








