دمشق – بشير فرزان
بدّدت زيادة الرواتب والأجور الأخيرة مخاوف الكثيرين، وخاصة الموظفين أصحاب الدخل المحدود، الذين لطالما خبروا سابقاً تداعياتها المعهودة، والمتمثلة بارتفاع أسعار جميع المواد نتيجة محاولات التجار امتصاص قيمة الزيادة وتعويض جيوبهم من خلالها بحجة خسائرهم نتيجة فترات الركود السابقة في الأسواق.
وعلى الرغم من الخلاف على الحلول الاقتصادية المعيشية، وانقسام الآراء بين من يضع ارتفاع الأسعار في خانة زيادة الرواتب، وبين من يرفض تماماً وجود علاقة تربط الزيادة مع ارتفاع الأسعار، إلا أن الجميع يتفق على أن عملية “زيادة الراتب” تدلّ على ضعف القوة الشرائية والتراجع الكبير في حركة الأسواق، حيث يرى الباحث الاقتصادي منير الإبراهيم أن أهم أسباب ارتفاع الأسعار يعود إلى قلّة حجم الإنتاج ونقص السلع، مقارنة بالطلب عليها، والذي جاء نتيجة لخروج العديد من المنشآت الإنتاجية من العمل بسبب الحرب، وانتقال أصحابها للعمل في دول أخرى، ما أدى إلى تراجع كبير في حجم القوى العاملة بسبب الأوضاع وهجرة عدد كبير من الشباب إلى دول مختلفة وخروجهم من دائرة الإنتاج، وترافق هذا الواقع مع زيادة حجم المستوردات السلعية التي تحتاجها السوق المحلية، وخاصة ما يتعلق بالمواد الأولية للإنتاج وارتفاع نسبة تهريب البضائع من الدول المجاورة، ما خلق قنوات للتضخم المستورد، وخاصة مع تراجع قيمة الليرة السورية وجعل أسعار المستوردات لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، كما أن عمليات التهريب أو الاستيراد اعتمدت على الشراء بالقطع الأجنبي “الدولار” والمبيع بالليرة التي فقدت أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار.
ولا شكّ أن تذبذب قيمة الليرة دفع معظم الناس إلى تحويل قسم من مدخراتهم إلى الدولار، رغم كلّ الإجراءات التي تتخذ بخصوص التعامل بالعملات الأجنبية. وهنا، يوضح الباحث الاقتصادي تامر محمود أن الاندفاع باتجاه الدولار وشراءه بكثافة رفع من قيمته أمام الليرة، وساهم بخلق الصفقات في بيع وشراء الدولار وزيادة العرض والطلب عليه، ما أثر على قيمة الليرة وانخفاضها بشكل كبير، وهذا بدوره أثر على أسعار السلع عند تقويمها بالليرة ما خلق حالة من الارتياب سادت السوق السورية ودفعت معظم المنتجين والعارضين إلى زيادة هامش سعري إضافي على أسعار المبيع واحتكارهم للسلع وقدرتهم على فرض أسعار أعلى تناسبهم، وخاصة في ظل غياب المنافسة وقلّة مرونة الطلب على عدد كبير من السلع كخطوة استباقية لأي تراجع محتمل في سعر صرف الليرة، أو حتى لأي ارتفاع محتمل في أسعار مدخلات الإنتاج.
أما ما يتعلق بالظواهر الاقتصادية المحلية – حسب المحمود – فإن ارتفاع الأسعار كان مرتبطاً بعدة ظروف تتعلق بعملية الإنتاج، أهمها صعوبة تأمين المواد الأولية وتوفير أماكن جديدة للإنتاج، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير والذي انعكس بدوره على زيادة أسعار السلع المنتجة محلياً، والتي يتمّ نقلها بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك.
ورغم المحاولات العديدة والمختلفة لسياسات التدخل الإيجابي، إلا أن الواقع يشير إلى أنها لم تعطِ النتيجة المطلوبة منها، فحجم التحدي أكبر من إمكانية مواجهته بالآليات البسيطة والآنية، بدليل أن أسعار التّجار تفرض على أسواقنا ولا تُعنى بالقدرة الشرائية للمواطن، فهي خارج هذه التوازنات، ما ينفي العلاقة بين زيادة الراتب وارتفاع الأسعار، فهناك ظروف عديدة ساهمت في التضخم الحاصل وارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة نتج عن تغيّر في ظروف التكلفة الإنتاجية التي أثرت بمنحنى العرض الكليّ بمجمله إلى الأعلى أي “التضخم الركودي”.