بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
وافقت الحكومة مؤخراً على السماح للشركات ومعامل فلترة وتعبئة زيت الزيتون بتصدير عشرة آلاف طن من زيت الزيتون، وترافق القرار بشرح للدوافع والموجبات والفوائد المتأتية من القرار من أجل تبرير صدوره وتقبله من الرأي العام، وهذا اعتراف “ضمني” بإمكانية تسببه بحدوث ارتفاع للأسعار في السوق المحلية حين صدوره وتطبيقه.
بدايةً، من المهم الإشارة بأن قرار الموافقة ليس جديداً بل يعود إلى الحكومة السابقة والصادر بتاريخ 13 آب الماضي استجابة لمقترح وزارة الزراعة التي اعتبرت أن هناك فائضاً متاحاً يمكن تصديره.. ولاحقاً أوضحت الوزارة من خلال مكتب الزيتون بأن إنتاج هذا العام يقدر بحوالي 55 ألف طن بزيادة 6000 طن عن العام الماضي.. ويفترض المكتب وجود مخازين من أعوام سابقة لدى التجار والمزارعين مما يعني -بنظر وزارة الزراعة- وجود كميات إجمالية فائضة عن احتياجات الاستهلاك المحلي وبالتالي هي متاحة للتصدير.. وبالطبع هذا كله بناءً على توقعات وافتراضات ودون وجود دراسات ومعطيات دقيقة وملموسة على أرض الواقع.. خصوصاً مع التراجع الكبير في حجم الاستهلاك المحلي لعدم قدرة نسبة كبيرة من العائلات على شراء الزيت بسبب ارتفاع أسعاره قياساً بمستوى الدخل، فهل خروج هذه الشريحة من قائمة المستهلكين يعد أمراً عادياً برأي الوزارة؟!
إذاً، نحن أمام قراراً غير متوازن.. قراراً يخدم المصدرين بالدرجة الأولى وبنسبة أقل المنتجين، في حين سيؤدي إلى إلحاق الضرر البالغ بالمستهلك “الحلقة الأضعف” كونه سيتسبب بارتفاعات إضافية في الأسعار كما ذكرنا..
وسؤال آخر يمكن طرحه هنا.. طالما تاريخ القرار يعود إلى قرابة الشهرين لماذا يتم نشره وإعادة التذكير به الآن في صفحات الوزارات والمؤسسات العامة وتناقلته فيما بعد وسائل الإعلام والمواقع والصفحات… ومن المعلوم للجميع بأن مثل هذه الأخبار تتسبب بحدوث ارتفاعات جديدة في أسعار المادة “المرتفعة أصلاً”..
ومن جهة ثانية.. ومن خلال الاطلاع على الموجبات المرافقة للقرار المذكور لم نجدها مقنعة سواء من خلال القول بالحرص على الحفاظ على تواجد المنتج السوري في الأسواق الخارجية، فهل الحفاظ على الأسواق الخارجية أهم من تلبية متطلبات المواطنين؟! أما فيما يخص بالمخازين المفترضة من العام الماضي فمن غير الممكن التكهن أو التأكد بوجودها أصلاً، مع التنويه والتذكير بما حدث في أعقاب الموسم قبل الماضي حينما كان موسماً استثنائياً بغزارة الانتاج ورغم ذلك ارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية بعد عدة أشهر من الموسم، فكيف سيكون الأمر اليوم والمستودعات والمخازن شبه فارغة من المادة فيما الإنتاج في حدود أقل من المتوسط.
في العموم.. البحث عن أسواق خارجية لتصريف الفائض من الانتاج بمختلف أنواعه هو عمل مقدر ومرحب به، وهو واجب على الحكومة وعلى العاملين في قطاع التصدير.. ولكن يجب التركيز هنا على كلمة “الفائض” والأخذ بعين الاعتبار الحاجة الفعلية للأسواق المحلية مع الحفاظ على التوازن السعري ما بين المنتج والمستهلك.. وبغير ذلك سنبقى نسير في الاتجاه المعاكس مع المزيد من الأخطاء وباتساع الشرخ ما بين الحكومة وبين المواطن.. وأعود للتنويه بأن القرار هو ساري المفعول من الأيام الأخيرة للحكومة السابقة.. وما نأمله من الحكومة الجديدة أن يكون لها رأياً أخر في مواضيع حساسة مشابهة وأن يكون بوصلتها واهتمامها الأول المواطن والمصلحة العامة للبلد..