الطاحون سابقاً أو كما كانت تسمى في الماضي “طاحون الجديدة” تقع ضمن أراضي قرية بحوزي على ضفة نهر الأبرش، وهي معروفة لدى آباءنا وأجدادنا من أهالي القرية وجميع القرى شمالاً الى حدود طرطوس وجنوباً في سهل عكار وشرقاً باتجاه صافيتا وغرباً الى البحر..
كان أجدادنا من أكثر من مئتي عام حتى زمن أهلنا من حوالي الستين عام يأتون إلى الطاحونة لطحن ما لديهم من قمح ليصنعوا منه طحيناً ثم خبزاً يقتاتون منه…
هذه الحجارة السوداء الصامدة صمود أجدادنا وآبائنا تصاب اليوم بانتكاسة سببها إهمال الإنسان وعدم اكتراثه وكذلك اهمال الجهات التي لها علاقة بحماية اثارنا وحضاراتنا التي كانت جزءاً من تاريخ ساحلنا السوري الحافل..
وفي الجهة القريبة المقابلة للطاحون كان هناك نبعاً لا ينضب صيفاً وشتاءً وكانت تشرب وترتوي منه المنطقة بأكملها.. كان النبع يسمى ايضا “عين الجديدة” نسبة الى الطاحون وكانت مياهه معدنية عذبة نقية…
الطاحونة والعين “النبع” تم تكريمهما عبر إخفاء معالمهما بسبب ما نسميه حضارة وتمدن، فقد اندثرت “العين” والسبب شق طريق يصل قرية بحوزي بمنطقة الصفصافة حيث طمرت هذه العين تحت الطريق وما من أحد اعترض على خطط الجهات المعنية بالإنماء والتطور والتوسع والعمران..
أما الطاحونة فقد سلمت من الطريق ولكنها لم تسلم من الأشجار والنباتات الحراجية الطفيلية التي احاطت بها من كل الجوانب وأخفت معالمها بالكامل.. دون أن تلقى من يهتم بها ويحاول إزالة هذه التعديات وحمايتها من زحف الإنسان والطبيعة..
كان أحد الأصدقاء قد حدثني منذ عدة سنوات بأنه ينوي إستثمار الطاحونة ليحولها كما هي إلى مقهى صغير يرتاد إليه شباب الضيعة.. الشاب كان متحمساً للفكرة واحببت الفكرة وشجعته… ولكن الشاب التحق بالخدمة الاحتياطية واستشهد منذ عام ودفن جسده الطاهر ودفن معه حلمه الجميل داخل أحجار هذه الطاحونة..إنه الشهيد البطل عامر يونس.. لروحه الرحمة والخلود..
ذهبت من عدة ايام لأرى ماذا حل بهذه الطاحونة.. وأسفت لما رأيت … فلم يبقى شيء لأراه.. فهل تستحق مثل هذه المعالم الحضارية الإهمال.. وهل يستحق أجدادنا أن نهمل انجازاتهم وتاريخهم هكذا وبكل بساطة…
أين دائرة أثار طرطوس…لماذا هم نيام…. فهذه المعالم ألا تستحق الاهتمام؟؟
نتمنى منهم اعادة النظر ورؤية الواقع الموجع لهذه الطاحونة والعمل على إعادة الاعتبار لهذه الطاحون ولمثيلاتها على امتداد نهر الأبرش فهي جزء مهم من تراث الآباء والأجداد ومن العار علينا أن ندفن تراثنا بسبب اهمالنا وسوء تصرفنا…