*الدكتور سنان علي ديب:
في ٩ أيلول ٢٠٢٠ سمح مصرف سورية المركزي لجميع المصارف باستئناف منح التسهيلات الائتمانية المباشرة وغير المباشرة لأصحاب الدخل المحدود و لتمويل القطاع الزراعي والعقاري والمشاريع المتوسطة والصغيرة وذلك بعد توقف لثلاثة أشهر , واختلفت الآراء حول هذه الخطوة تبعاً لخلفية الشخص وتبعاً لمجال عمله واختصاصه. وفي العموم من المؤكد أنه لا يمكن النظر بمنظار واحد لجميع سلة القروض ولا لأثرها على الاقتصاد وعلى المواطن , و من المؤكد لم ينته السبب الذي أوقف به الإقراض ولم يعط ما أمل منه من نواح كثيرة , فأغلب التصريحات جاءت كون أغلب القروض تستغل في سوق المضاربة على الليرة السورية وتحويلها إلى دولار وكذلك التضخم الكبير و محاولة الإحاطة به, ولكن ما حصل هو العكس ,فالدولار ,وما يهمنا السعر الرسمي, قفز من حوالي ٤٥٠ لحدود ٧٠٠ ليرة ومن ثم إلى ١٢٥٦ بحجة جذب التحويلات , الأمر الذي انعكس سلباً على الأسعار ورفعها أضعافاً مضاعفة، وسط عدم قدرة المواطن الشرائية و امتناع التجار عن خفض أي سعر، علماً أنهم كانوا يرفعون الأسعار وفق سعر الصرف في الأسواق المجاورة والناجم عن ظروف معينة ومضاربات مقصودة و أرسلوا رسالة واضحة بأنه حتى لو جفف الطلب لن نخفض الأسعار، وحتى إن جزءاً كبيراً منهم امتنع عن البيع وأغلق محاله و بالتالي لم يؤثر أي تغيير في السياسة النقدية بالتضخم وتضخيم مقصود للأسعار وسط نوم الأجهزة المسؤولة عن ضبطها ووسط تفقير مخيف بوسطي رواتب لا يتجاوز ٥٥ ألف ليرة و الحاجة الشهرية لأسرة تتألف من ٥ أشخاص تصل إلى ٦٠٠ ألف ,و بالتالي فإن أي زيادة للرواتب سوف تليها زيادة للأسعار والجهات المسؤولة ممتنعة عن ضبطها .وكذلك مهما كانت نسبة الزيادة فلن تغطي نسبة ضئيلة من العجز ,علماً أن أصوات محتكرين وتجار طالبت بها لتحريك الركود التضخمي الذي يصيب السوق و الذي انعكس على الجميع – وهو ما توقعناه – فلن تنفع منظومة الجشع و اللا أخلاق دائماً في جمع الأموال والثروات, فالرواتب والأجور محرك للسوق و لجريان الدم في شرايينه، و رفع سعر الصرف لم ينفع كون الامتناع عن التحويل لا يتوقف على السعر الوهمي وإنما هناك مبررات أخرى و إرهاب اقتصادي للدول المحتلة وأدواتها القذرة.
في ظل هذه الظروف جاء القرار كإعلان قرار جديد لوزير جديد وسط غياب المبررات لبعضها.
من المؤكد أن الإقراض للقطاع الزراعي سيعطي مفعوله وانعكاسه على هذا القطاع ولكن بالتالي سيزيد تكاليفه, وكذلك للقروض الصغيرة والمتوسطة إن استثمرت بشكل صحيح وسط متابعة للتنفيذ وفق ما أقرضت من أجله .وكلنا يعلم أهمية القروض الصغيرة والمتوسطة في ظروف البلد كمحرك للاقتصاد وزيادة القيمة المضافة والاعتماد على الذات , و كذلك تحسين المعيشة وخاصة لما تتمتع به من سهولة الانتشار العمودي والأفقي، وقد تنعكس إيجاباً و يبقى موضوع القروض العقارية .
والسؤال: هل ستعطى للجمعيات السكنية وتفرض على إتمام مهامها لكي يكون هذا القرض متدخلاً بالسوق التي يلعب بها المحتكرون والمضاربون كيفما يشاؤون, بالتناغم مع رفع أسعار مواد البناء بلا تبريرات أم ستكون لتكريس المضاربة وعوناً لهم لمزيد من التضخيم وقتل أحلام وإمكانيات أي سوري بامتلاك منزل أسوة بما عهدناه في الفترات قبل الحرب وقبل محاولة قتل دور الجمعيات وأي مؤسسة تدخل لصالح المواطن عبر فرض الأسعار المناسبة للمواطن والوطن؟.
و أخيراً القرض الشخصي لمحدودي الدخل والذي يصل لحدود مليوني ليرة بحيث لا يتجاوز القسط الشهري ٤٠ بالمئة، وبالتالي فرضاً راتب الموظف 60 ألفاً فسيكون القسط ٢٤ ألفاً مع اقتطاع الفوائد من المنبع ,ومن المؤكد سيسعى كثر للحصول عليه كونه الأسهل عبر كفلاء.
ولكن يبقى السؤال : أليس قرض كهذا توريطاً مستقبلياً أسوة بما وجدناه قبل الحرب من قروض لشراء السيارات والتجهيزات ¸ما لبثت أن أصبحت عبئاً ؟ وكذلك السؤال على اعتبار الراتب ٦٠ ألفاً ويبقى منه ٣٤ ألفاً لا يكفي الموظف أجور النقل شهرياً وعلى اعتبار أنه راتب من راتبين هل تكفي حوالي ١٠٠ ألف للعيش كل الشهر ؟ وما تأثير هذه القروض على المعيشة بشكل عام ؟ قد تحرك السوق لفترة و لكنها تورط الموظف وبالتالي هي قروض تحابي السوق والبعض يحاول أن يفضلها على زيادة الأجور.
و يبقى السؤال : ألم يبق إلا هذان العملان لتحسين مستوى معيشة المواطن و المحافظة على طلب يراعي الإمكانات المحدودة وخاصة بعد استعمال البطاقة الذكية والتي وفرت الكثير على الحكومة ؟.
أين ضبط الأسعار وأين السياسات النقدية الأخرى ومنها سعر الصرف وهما الأكثر فائدة وجدوى؟.
تحريك عجلة الاقتصاد ضرورة وحاجة والإقراض يحقق جزءاً كبيراً منها, ولكن حماية وتأمين معيشة المواطن واجب وفي ظل الأزمات يجب أن تتكامل السياسات لتحقيق غايات وأهداف محددة .و بصراحة يجب
التحول لتكون لمصلحة المواطن بعدما كانت أغلبها لمصلحة التجار.
المصرف الخاص يعمل لتسويق خدماته وللربح في كافة الظروف ولكن الحكومة وأدواتها ,ومنها المصارف, من الجيد أن تسعى للاستثمار وتحقيق الربحية ولكن يجب أن تزاوجه مع الأهداف الوطنية المجتمعية و تتكامل مع أدوات مالية ونقدية أخرى للوصول لغايات حماية الوطن والمواطن.