تخطى إلى المحتوى

قانون عصري ينتظر حسن التطبيق..

بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
بعد استعراض مواد قانون حماية المستهلك الجديد الذي اصدره السيد الرئيس بشار الأسد منذ ايام قليلة
يتضح لنا – بكل شفافية- بأننا أمام قانون عصري حازم وصارم الى درجة كبيرة في التعامل مع المخالفات التموينية بمختلف انواعها.. ويشكل حالة من الردع لمن يرغب أو ينوي القيام بتجاوزات لتحقيق مكاسب غير مشروعة، ويفرض عقوبات قاسية بحق المخالفين من بينها السجن والإغلاق والغرامات المالية الكبيرة بحسب نوع ودرجة المخالفة … وفي المقابل نلاحظ ان القانون والتشريعات الموازية له تحدد هوامش ربح جيدة ومعقولة للعاملين في القطاع التجاري بما يضمن استمرارية تطور اعمالهم واستمرارية النمو في هذا القطاع الحيوي الهام.. وهو بذلك وفي الحالتين يسهم في إعادة بناء العلاقة التجارية بمفهوم وأسس جديدة ويحقق نوعاً من التوازن ما بين المستهلك وبين التاجر ومن خلفهما المنتج والحلقات التجارية والوسيطة الأخرى..
وبرأيي الشخصي وبرأي المتخصصين أن أهمية القانون لا تقتصر على تشديد العقوبات (الردعية) المشددة فقط، بل يتعدى ذلك الى تنظيم العلاقة التجارية بمختلف انواعها استناداً الى حتمية استخدام والتداول الصحيح لنظام الفواتير ومضمون البيانات الجمركية بالنسبة للمواد المستوردة والتدقيق في محتويات الفاتورة الموحدة وتفصيلاتها لجهة دقة التسعير وحتمية التداول للفاتورة كمستند اساسي، وهي بذلك تشكل عامل حماية وطوق نجاة لتاجر النصف جملة وتاجر المفرق وتساعد في معرفة وتحديد من هو المخالف الحقيقي..
وفي الجانب المتعلق بالمواصفة والالتزام بمعايير السلامة الصحية والغذائية فلا اعتقد ان هناك اي ثغرة او ملاحظة.. فالقانون يؤكد على الاشتراطات الصحية بشكل عام بناءً على المواصفة القياسية السورية ومعايير الجودة المعترف بها مع اللجوء الى المخابر العامة المعتمدة لتحليل العينات المسحوبة من الأسواق والمشكوك فيها..
وكما ذكرت في البداية فعلا أننا أمام قانون عصري لحماية المستهلك.. ولكن لا يعني ذللك أن هذا القانون سيذلل كافة المشاكل والصعوبات في الأسواق.. وخصوصا فيما يتعلق بموضوع عدم توفر بعض المواد الأولية الضرورية اللازمة للصناعة والتي لا يُسمح باستيرادها.. وهنا الصناعي والتاجر مضطر للجوء الى السوق السوداء للحصول على هذه المواد مجهولة المصدر.. وهي في الحقيقة تشكل متممات اساسية للمنتج النهائي، وهنا سيكون الصناعي امام خيارين إما المجاذفة والاستعانة بهذه المواد وبالتالي وقوعه تحت رحمة التموين والمخالفات الكبيرة او الاستغناء عن هذه المواد والتوقف عن العمل والانتاج وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان كما علمنا من خلال متابعتنا لأحوال ويوميات الصناعة الوطنية.. وبالتأكيد تشكل مثل هذه الحالات ثغرة وحلقة مفقودة ضمن منظومة العملية الانتاجية بشكل عام.. وبالتالي لا بد من إعادة النظر ودراسة توسيع لائحة المستوردات المسموح بها لبعض المواد الاولية غير المتوفرة في الأسواق المحلية او التي قد تكون موجودة ولكنها اقل جودة.. وهذا ينصب في خانة احترام حالة التنوع في طبقات المجتمع وتلبية احتياجات ومتطلبات هذا التنوع، مع الاخذ بعين الاعتبار ان التسعير يراعي هذه الناحية.. ويمكن ان تتوفر مستقبلا تشريعات جديدة تراعي هذه المسألة بما يلبي اذواق واحتياجات جميع الشرائح وبنفس الوقت إمداد خزينة الدولة بموارد جديدة (وكل شي بثمنه)..
وبالعودة لموضوع القانون ومسألة التطبيق على ارض الواقع وهنا مربط الفرس.. فالقانون بحاجة الى جهود وتعاون الجميع لحسن تطبيقه بالشكل الأمثل والمجدي.. وكما قال وزير التجارة الداخلية طلال البرازي فأن الهدف من القانون ليس فرض العقوبات والغرامات بل هو لتحقيق الحماية للمستهلك وايضا للحلقات التجارية الصغيرة والتي يمكن ان تكون ضحية للحلقات التجارية الأعلى، إضافة الى تنظيم العلاقة فيما بين هذه الاطراف جميعها.. لذلك لا بد بداية من تنظيم حملات مكثفة بالتعاون مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وصولاً الى تنظيم اللقاءات المباشرة من خلال غرف التجارة والاتحادات والنقابات لشرح بعض مواد القانون التي قد تحتاج الى تفسير او توضيح بهدف تلافي الوقوع في مطب المخالفات التي قد تكون بعضها غير مقصودة او بدون معرفة مرتكبيها انها تشكل مخالفة..
اما الموضوع الأهم في مسالة تطبيق القانون فتكمن في دور الرقابة ودور اجهزة وعناصر حماية المستهلك.. فرغم صلاحياتهم الواسعة ودورهم الكبير إلا ان هذا الدور وهذه الصلاحيات مشروطة ومضبوطة وفق القانون وهناك مواد تشدد العقوبات على عنصر التموين الذي تثبت إساءته لمهمته ودوره الوظيفي والرقابي.. ويبقى لموضوع حسن الأداء والأمانة والعمل بما يملي عليه الضمير لأي مراقب تمويني او أي تاجر حديث آخر تحكمه التمتع بالأخلاق النبيلة وحسن التربية والتعفف عن المغريات..
أخيراً..ما نأمله أن يتم تطبيق القانون بكل دقة وموضوعية وعدالة، وأن تسهم عقوباته الرادعة في التخفيف قدر الإمكان من حالة الفوضى السائدة في الأسواق ومن فلتان وارتفاع الأسعار التي ارهقت المواطن، وكادت تقضي على أي بارقة أمل لولا التدخل الأخير للدولة واتخاذها لخطوات فعالة وحاسمة لتحسين سعر صرف الليرة.. والتي يجب ان يتبعها خطوات اخرى موازية وفعالة أكثر كي ينعكس هذا التحسن على صعيد تخفيض الأسعار وبالاستعانة طبعا بقانون حماية المستهلك الجديد..

 

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات