تخطى إلى المحتوى

تسرّب الفيول.. أسباب ونتائج وحلول

*مركز ودق للدراسات البيئية:

ما حدث من تسرّب مادة الفيول من أحد مستودعات المحطة الكهربائية الحرارية قرب شاطئ بانياس يزيد بيئة هذه المنطقة تلوثاً، فهي تحتل المرتبة السابعة بين المدن الأكثر تلوثاً في العالم.

وبما أن الكمية المتسرّبة غير معروفة للعامة، يبقى عامل المشاهدة المباشرة واهمال الخزانات والأكسدة والصدأ الذي طرأ عليها سبب مباشر للحادثة، فالاضرار المباشرة على الخزانات يجب أن تكون تحت المراقبة، وما حدث من تسرّب فيول من خزان ممكن حدوثه من خزانات أخرى.
ينبغي عدم التسامح مع المتقاعسين الذي باهمالهم يساهمون في دمار موائل هي سبب مباشر لاستمرار الحياة. وما يسهّل ذلك في هكذا حوادث حركة الفيول ولزوجته وسرعة تسرّبه مع الأمواج والمد والجزر والتيارات البحرية، خاصة في ساحل منطقة بانياس الميزابية تتأثر يومياً بنسيم البر والبحر، ما يزيد من مساحة المنطقة الملوثة في ظل وجود ملوثات أخرى ترتبط بمصفاة بانياس التي يُستخرج منها فيول بنسبة ٣٣،٩ ٠/٠ من مشتقات تكرير النفط من جهة، ووجود نفط فاقد بنسبة ١ ٠/٠ من النفط الواصل إلى المصفاة التي أقلعت للعمل عام ١٩٨١ من جهة ثانية، وخاصة اذا علمنا أن لتر واحد من النفط يلوث /١٥٠/ مليون لتر من المياه من جهة ثالثة، وأن المحطة الكهربائية الحرارية كانت تستهلك مليون طن من الفيول في السنة عند اقلاعها للعمل جهة رابعة، واطلاق الفرد بين ٦ – ٧ طن من الانبعاثات في السنة من جهة خامسة، ومعرفة نتائج اهمال الجدوى البيئية لمشاريع إنتاجية من جهة سادسة، وقد تبيّن لنا في دراسة عام ٢٠١١ – ٢٠١٢ إن كلفة كهرباء سورية ستتجاوز/٤٠/ مليار دولار كحد أدنى بين عامي ٢٠١١ – ٢٠٢٠ مع استمرار الأزمة عشر سنوات.
فما حدث من تسرّب فيول وارد في أي لحظة من خزانات أخرى أو في مواقع أخرى، في ظل عمر زمني للمحطات خاصة الواقعة قرب الشاطئ وعرضة للأكسدة والصدأ.

ومن نتائج ما حصل رفع معدلات التلوث بمعادن ثقيلة وعناصر كيميائية من كادميوم وفلور ورصاص وكوبالت وزرنيخ، يبقى الزرنيخ الأخطر على النظام البيئي البحري كونه عنصر سام يلوث السلسلة الغذائية البحرية ويعطّل عملية التمثيل الضوئي للنباتات البحرية ويزيد من التعديلات الوراثية للكائنات وتغيير سلوكها، وموت كائنات ثابتة كالنباتات وهجرة أخرى متحركة كالطيور والاسماك.

وما حدث يسدّ جزئياً نظام الترشيح الطبيعي وتراكم مواد سامة تزداد آثارها مع صعوبة التخلص منها.
والخطر الجدّي يهدد سلسلة الترابط بين البر والبحر خاصة لجهة القاطنين بجوار خط الساحل وتوقف عملهم وغياب مصدر رزقهم. فكم هي كلفة العلاج والإصلاح و
لأعادة المياه إلى بكارتها الاولى؟؟!

ولا يتوقف التلوث على مياه البحر فقط، فقد تنتشر غازات مرافقة للتفاعلات الكيميائية والفيزيائية وحدوث أكسدة جديدة ووصول الفيول إلى خط الشاطئ بوجود شقوق وحت كارستي يسمح بتوغل الفيول وتسرّبه إلى المياه الجوفية التي تتفجر بعض ينابيعها في قاع البحر قرب الشاطئ وبعيد عنه.

وفي ظل ما حدث تكثر الحلول الممكنة وغير الممكنة تبعاً للتقنيات والكلفة وتوافر مواد العلاج. فما نعلمه وجود بكتريا ومكروبات تتعامل مع النقط ومشتقاته وتخفف من كمياته المتسرّبة ومن أثاره، فهي تتكاثر بسرعة في المياه الملوثة بالنفط ومشتقاته تكوّن علاج حيوي بتحويل الفيول والنفط إلى منتجات أقل ضرر على البيئة البحرية.
ويمكن قشط الفيول وضخه وحسر مساحة انتشاره، كما يمكن جمع المكونات الملوثة عن الشاطئ من حجارة وحصى واتربة ورمال ونقلها إلى أماكن أخرى والتعامل معها.
ولا ينفع احراق الفيول كونه يترك مواد تترسب وأخرى تتطاير، ما يزيد الخطورة على موائل الكائنات البحرية والشاطئية.
فيما يمكن استخدام مادة كرويكتيد اذا كانت متوافرة على شكل كرات صغيرة يعلق عليها الفيول وتترسب إلى قاع البحر، لكن بطء تحلل الفيول يترك آثار ضارة على موائل الكائنات. وهي مادة تسبب سرطان الدم وموت الأجنّة في الأرحام.
وفي ظل ما حدث ينبغي تعميق الدراسات حول الطاقة وآثارها الضارة على البيئة، ففي الواقع العالمي والسوري تزداد الحاجة إلى الطاقة الكهربائية المنتجة من مخلفات نفطية غازية ومن مخلفات كائنات عاشت منذ /٣٠٠/ مليون سنة على الاقل وتقوم من أجلها حروب، ولا نهتم بكائنات تعيش حالياً وسنحتاجها مستقبلا، في ظل تقاعس حكام وحكومات وشعوب لحماية مكونات الحياة بعلاج النتائج غالب الأحيان وإهمال أسباب المشاكل!
كما ينبغي إيجاد تقنيات تراقب وتضبط التسرّب وانبعاثات العوادم ومداخن المصانع من نواتج الاحتراق وخفض نسب التلوث والقيام بصيانة دورية لاقسام محطات الكهرباء ومياهها الحارة قبل وصولها إلى البحر.

كما ينبغي عدم العبث بمنطقة التلوث في ظل غياب ثقافة التأمين، وأن وجدت شركات تأمين فهي قادرة على التملّص من دفع تعويضات، كل ذلك بغياب خبراء بيئة وقانون يدافعون عن البيئة، فالنفط والفيول يتفكك وينتشر بسرعة مع الأمواج والمد والجور والتيارات البحرية، وما حدث لن يغيّر ثقافة البشر ولن يزيد الاهتمام بالبيئة في ظل معاناة الناس من لقمة العيش وفي ظل غياب ثقافة الاهتمام بمحيطنا الحيوي ومعرفة التفاعلات والعلاقات القائمة بيت البر والبحر والجو. فحماية هذه البيئة وذاك المحيط الحيوي هو حماية لأنفسنا قبل أيّ شيء.

 

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات