فرضت وسائل التواصل الاجتماعي سطوتها على المجتمعات بفعل انتشارها الواسع، وسرعة انتقال المعلومة، وحتى الشائعات، الأمر الذي جعل العديد من المعنيين على اختلاف مسؤولياتهم يخشون من التصريح لوسائل الإعلام بحجة تخوفهم من نقل تلك المواقع للمعلومات المنشورة بطرق غير صحيحة أو مجتزأة، ما يعرضهم لهجمات وتنمر من مجموعات الناشطين على تلك الوسائل هم بغنى عنها على حد وصفهم.
أشباه أميين!
وبسبب هذا الطغيان الملفت لمواقع التواصل الاجتماعي كان واضحاً تأثر تجاوب المسؤولين وصناع القرار بشكل سلبي مع وسائل الإعلام الحقيقية، بفعل “الرهاب” الذي نشره من يمكن تسميتهم بـ “أشباه الأميين” على تلك الوسائل، بحق مسؤولين وناطقين رسميين باسم الجهات والمؤسسات الحكومية، بل وصلت إساءات هؤلاء إلى حد اقتحام الحياة الشخصية للمسؤولين، ونشر الإساءات على صفحاتهم الخاصة، وصفحات ذويهم، بعد إدلائهم بتصريحات تخص قرارات صادرة عن المؤسسة، ما يبين حجم الجهل الذي يقود تصرفات بعض رواد تلك الوسائل.
نوبات من الخوف الشديد!
ناطقون رسميون بأسماء مؤسسات حكومية أكدوا لـ “البعث” تعرضهم للعديد من المشكلات المشابهة، لافتين إلى أنهم قادرون على تحمل تبعات التعليقات، التي تعتبر من صلب عملهم، ومدركون أنها لا تؤشر على رد الفعل الاجتماعي الحقيقي، غير أن ورودها على وسائل مفتوحة، يجعل الأمر ينعكس على أسرهم، خصوصا أطفالهم، الذين أصيبوا بنوبات من الخوف الشديد والانعزال، والخجل من الخروج من المنزل والاحتكاك بالمجتمع، بفعل الطرق اللامسؤولة، غير الأخلاقية التي يتبعها بعض مرتادي وسائل التواصل في سبيل المزاح أو اجتذاب المتابعين.
رهاب حقيقي!
ووفقاً لمسؤولين، فإن بعض الحالات شكلت رهاباً حقيقيا لهم ولأسرهم، وصل إلى امتناع أولادهم عن الخروج من المنزل، والذهاب إلى المدرسة أو أي مكان آخر، بفعل تمادي مجهولين غالبيتهم غير مؤهلين للتقييم الفعلي، وليس لهم أية خبرات في المجال التي تثار حوله ردات الفعل السلبية، أو يحاولون إثارتها.
وأشار أحد المسؤولين في وزارة الاتصالات والتقانة، إلى أن رفع رسوم خدمات الاتصالات الأخيرة حملت العديد من المسؤولين تبعات التنمر الاجتماعي، لافتين إلى أن “قصر نظر” البعض جعلهم يقودون حملات بعضها مدروسة وممنهجة ضد مدراء معينين، ما يشكل جهلا كاملا بالطرق المؤسسية في اتخاذ القرارات، ومسبباتها الواقعية، ولم توفر تلك العشوائيات الإلكترونية أنواع الشتائم المخلة بحقهم.
وكذلك الأمر بالنسبة لمصدر في وزارة النفط، والذي وصف ردود أفعال الناس بأنها مقادة، حيث يتم تحفيزها وجرها باتجاه محدد من قبل صفحات وأشخاص معينين لغايات وأهداف مسيئة، رافضا احتمال وصول المجتمع إلى سوية الانحطاط التي تظهر في بعض التعليقات.
وتساءل المصدر: هل يتوقع المعلقون بخبراتهم الافتراضية أن موظفي الوزارة يحصلون على خدمات أو كميات إضافية، وحتى المدراء الذين أعلنوا عن القرار؟ وهو ما يوضح مستوى جهل أصحاب الشتائم وهجومهم غير المبرر على أفراد يقومون بدورهم في المؤسسات لخدمة المواطنين وفق الإمكانيات المتاحة، التي تجهد الوزارات في التعامل معها لضمان استمرارية الخدمات.
حصن ضد التأثير
رئيس اتحاد الصحفيين الزميل موسى عبد النور، قال: إن وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة لا تندرج ضمن الوسائل الإعلامية، لعدم وجود معايير وضوابط تحكم عملها، أو عمل القائمين عليها من حيث مستوى إدراكهم الإعلامي وتخصصهم في المجال، فضلا عن هدف الوسيلة والغاية من وجودها، معتبرا أن الممارسات السلبية لرواد وسائل التواصل الاجتماعي وضعف القدرة على التحكم بها يمثل اعتداءا على حقوق الآخرين الذين يتعرضون للهجمات العشوائية، تشكل واحدة من أسباب رفضها ضمن وسائل الإعلام، التي تحكمها معايير وقيم محددة.
ولفت عبد النور، إلى أن وعي صناع القرار بأهداف قرارهم، وموجباته الواقعية والوطنية، يشكل حصناً لهم ضد التأثر بهذه الموجات مجهولة المصدر، وبالتالي يجب أن لا تؤثر على طريقة تعاطيهم مع الوسائل الإعلامية، لتعريف المواطنين بالقرار وموجباته، ومناقشته علنا، وذلك استكمالا لدورهم في إصدار القرار وتطبيقه.
وأشار عبد النور، إلى أن السيد الرئيس بشار الأسد دعا في العديد من اللقاءات إلى الشفافية بين الجهات الحكومية والمواطنين، وهو الأمر المناط بوسائل الإعلام التي تمثل وسيطا بين صناع القرار والمواطنين، لتوضيح كافة المسائل للرأي العام ومصارحته بالواقع، مبينا أن نشر الحقائق والمعلومات من مصدرها ضرورة ملحة وواقعية لمواجهة الأخبار الملفقة.
قادر على الفصل
وأكد عبد النور، أن ممارسة الشفافية مع المواطنين تتطلب عفوية من المسؤولين في طرح الواقع ومناقشته، وتوصيل الحقيقة عبر وسائل الإعلام، حتى ولو لم يكن المسؤول خاضعا لتدريبات التعامل مع الإعلام، لافتاً إلى أن الجمهور بات قادرا على الفصل بين مصادر الأخبار.
واعتبر أن التعليقات الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن تقييمها على أنها تمثل نسبة حقيقية من المجتمع، بسبب عدم مصداقيتها، وإمكانية التلاعب بمصدر الرسالة من قبل الراغبين بالترويج للسلبيات، واعتماد أسماء وهمية، وغيرها من الأساليب الملتوية، فضلا عن أن المصرحين يعتادون على ماهية تلك الوسائل، بما يكفل لهم توجيه خطابهم للمجتمع لوضعه في صورة الواقع، كما أنها ستضيف إلى خبرة الناطق الرسمي، وتجعله أكثر قدرة على إيصال المعلومة بطريقة لا تحتمل التأويل.
تأثير مرحلي
إن أنواع التنمر موجودة في المجتمع عبر السنوات الماضية، وليست وليدة حالة معينة أو واقع محدد، بحسب الأخصائية النفسية هبة موسى، مشيرة إلى أن التنمر يعكس الحالة الداخلية للأفراد، والتي يتم التعبير عنها في الوقت الحالي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأوضحت موسى، بأن تأثير هذه “الهجمات” على الأشخاص بشكل عام يكون مرحلي، ولا يصل إلى حد وصفه “بالرهاب” وفقاً للوصف العلمي للكلمة، خصوصا أن تأثير الهجمات يتقلص بعد مرور أيام قليلة، ووجود دعم كافي للشخص المستهدف من الدائرة الضيقة والمقربين، فضلا عن وجود دعم على وسائل التواصل نفسها، والتي تضم مؤيدين ومعارضين للقرار.
توضيح طبيعة القرارات
الزميل بلال ديب، مدير الإعلام الإلكتروني في دار البعث للصحافة والطباعة والنشر قال: إن وسائل التواصل عززت حاجز الخوف بين المسؤولين والإدارات بشكل عام ووسائل الإعلام، مبينا أن البعض يستفيد من الواقع السلبي لوسائل التواصل بوصفها ذريعة لرفض التعامل مع الإعلام، والتهرب من الإجابة على التساؤلات، مؤكداً أن توضيح طبيعة القرارات للرأي العام هو أحد واجبات المسؤول أسوة بغيرها من الأعمال المنوطة بمسؤوليته.
ولفت ديب، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت واقعا مفروضا، يجب التعاطي معها وفق لخصوصيتها من خلال البيانات الواضحة، وعدم التأثر ببعض الحالات التي تطغى عليها الروح السلبية، والهجومية على القرار أو المسؤول بشكل عام، مبينا أن على المسؤولين أن يكونوا بوعي أن وسائل التواصل لا تمثل الرأي العام الحقيقي، من حيث النسبة كما من حيث طبيعة التعاطي مع القرار أو التصريح، فبإمكان شريحة بسيطة من رواد تلك الوسائل تأجيج هجومات إلكترونية على جهة معينة لأسباب مدروسة في بعض الأحيان، وإظهار آراءهم على أنها تمثل الرأي العام بفعل تكرار المنشورات، وإعادة نشرها على العديد من الصفحات والمواقع من قبل الاشخاص أنفسهم، وهو ما لا يمثل رصدا دقيقا لطبيعة رأي الشارع، أو طريقة تعبيره عن الرفض أو القبول.
تجاوز المعوقات
وأفاد الزميل الصحفي قسيم دحدل، أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، واضح على الأفراد والمسؤولين في المكاتب الحكومية خصوصا في حال تعرضوا لتجارب سابقة، ما يؤثر عليهم نفسيا، ويمنهم من التعاطي مع تلك الوسائل، مبينا أن على القائمين بصناعة القرار تجاوز تلك المعوقات، وتفهم وجودهم في منصب عام، والقيام بواجباتهم بمعزل عن المتنمرين السلبيين.
وأضاف دحدل، بأن مؤسسات حكومية باتت تطلق تصريحات مقتضبة عن قراراتها، من دون توضيحات، وبدون وجود مصدر للخبر يمكن التواصل معه لاستكمال المعلومات من قبل الإعلام، تفاديا للهجمات الشخصية، وتحميل المتنمرين المسؤولية لأحد المدراء على سبيل المثال، وهو ما أضر بواقع وصول المعلومات الكاملة للمجتمع.
وبمعزل عن الدور الرقابي لوسائل التواصل الاجتماعي التي نجحت في كشف التقصير والخلل في المؤسسات وعند المسؤولين، وتوسيع نشرها مستفيدة من إمكانياتها وانتشارها الجماهيري، غير أنها أيضا تشكل منبرا “للحمقى” وفقا لبعض المسؤولين، كما أنها مكتظة بصفحات ذات نوايا خبيثة مبيتة للدولة السورية، والتي تحاول إحباط أي جهد أو عمل وإظهاره بصيغة الفشل، مستغلة الظروف المعيشية الحالية، وذلك بأسماء صفحات وطنية درءا للشبهات، ولتحقيق الاستجابة المطلوبة من الجمهور!
بانوراما سورية-رامي سلوم – وفاء سلمان-البعث