«من يأكل العصي لا كمن يعدها» هذه الحال تنطبق على قرارات وزارة التعليم العالي الأخيرة المتعلقة برفع رسوم التعليم الجامعي، والتي أحسّ بلظى سياطها مع بدء التسجيل ذوو الطلبة، ليجد البعض نفسه مضطراً للاستدانة، وآخر للاقتراض أمام ضآلة الراتب وارتفاع تكاليف الحياة.
الرفع الذي وصفته الوزارة بالبسيط، والذي أوجب على طالب «الطبيات» دفع 300 ألف ليرة فقط، وعلى طالب الهندسات دفع فقط 200 ألف ليرة، شكل عائقاً أمام الكثير من ذوي الطلبة خاصة في ظل ضآلة المردود المادي مقارنة بمستلزمات الحياة وأسعار السلع والخدمات.
وربما غاب عن بال من رفع الرسوم أن الرفع البسيط من وجهة نظره للرسوم ومقارنته لها بالأسعار في الجامعات الخاصة، هو في الحقيقة مشكلة حقيقية أمام السواد الأعظم من الموظفين وكثير من العمال الذين بأغلبيتهم لا يتجاوز راتب أحدهم الخمسة وسبعين ألف ليرة شهرياً، أي إنه أصبح وأمام أبسط الرسوم يجب عليه دفع راتب أكثر من شهر حتى يتسنى له تسجيل ولده، ناهيك عما تتطلبه الحياة الجامعية لأبنائه من لباس ومستلزمات وملخصات.!
اليوم وأمام هذه المستجدات يبدو أن أنشودة مجانية التعليم التي تغنى بها طلبة سورية قد انتهت، وأن مظلة الدعم الحكومي بدأت تتقلص وتنكمش في قطاع التعليم كما غيره من القطاعات المدعومة، ولكن يجب التنبيه إلى أن خطورة تقليص الدعم على هذا القطاع ستكون لها انعكاسات مستقبلية خطيرة على مستقبل الأجيال وبالوقت ذاته على مستقبل البلد.
من الطبيعي أن تحاول الحكومة البحث عن سبل تتيح لها الاستمرار بالعمل في كافة المجالات، ومن ضمنها التعليم الجامعي، ولكن من مسؤوليتها في الوقت ذاته حماية طبقة محدودي الدخل وتأمين حقوقهم الأساسية ومن أهمها التعليم، ففي أبسط الأحوال وإن كان لا مجال من رفع الرسوم حتى يتسنى للجامعات الاستمرار بالعمل، فأظن أنه لا بأس بأن يتم تقسيطها على أشهر لمن يرغب من الطلبة، وبذلك يتاح لمن لا تساعده سبل العيش على تأمين المبلغ كاملاً.
صحيح أنه من واجب الحكومة أن تجد طرقاً لتستطيع الاستمرار في تقديم خدماتها، لكن من واجبها أن تجد طرقاً أكثر حكمة بحيث لا تتحول هذه الطرق إلى أعباء إضافية تقضي على ما بقي من أحلام لدى أبناء الطبقة الفقيرة من ذوي الدخل «المهدود»!