بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
السورية للتجارة.. هذا التاجر الحكومي “الاستثنائي” الذي يتدخل بقرار ويخسر بقرار، وينأى بنفسه عن المنافسة غير الشريفة في لعبة التجارة و”الشطارة” ولا يهمه الربح في الكثير من الأحيان إن كان ذلك يحقق المصلحة العامة للمواطن والبلد.. هو تاجر فعلاً ولاعباً أساسياً في السوق.. وهو اكبر من أي تاجر من حيث الإمكانات والانتشار والامتداد الجغرافي.. ولكنه بالوقت نفسه تاجراً “مقيداً بقرار حكومي حكيم” جوهره ألا يكون الربح على حساب المواطن في مضمار سباق رفع الأسعار مع “زملائه التجار” وهنا مربط الفرس بما يتعلق بخصوصية هذا التاجر..
هذا ما يمكن ان يقال على الصعيد النظري وما يُراد ويُخطط للسورية للتجارة ان تكون عليه كذراع للدولة في سياسة التدخل الإيجابي، وبالتالي مهمتها الأولى محاولة ضبط إيقاع الأسواق وإضفاء نوعاً من التوازن على بورصة الأسعار غير المنضبطة تحت مبررات واسباب بعضها موضوعي وبعضها لا…. وأما على الصعيد العملي ومن خلال المتابعة على أرض الواقع نلاحظ بأن هذه المؤسسة نجحت في الكثير من الأحيان وفشلت في أحيان اخرى ايضا.. وفي كلا الحالتين كان سوء أداء الإدارات والتخطيط القاصر والتغاضي عن الرقابة والمحاسبة هي الأسباب الرئيسية في عدم الحصول على النتائج المنتظرة والمرجوة.. ولن اغوص الآن في الشروحات وفي تقييم التجارب والأداء.. ولكن ما أود الإشارة إليه هو النهج والفكر الإصلاحي الجديد الذي يعمل على إدخاله السيد وزير التجارة الداخلية الدكتور عمرو سالم في آلية عمل وأداء السورية للتجارة وعلى استراتيجية عملها المستقبلية ايضا.. حيث بدأت اولى هذه الخطوات بإعادة تنظيم الإدارة وهيكلتها وتعزيز وتشديد عملية الإشراف المباشر على أداء جميع مفاصلها من قبل اعلى المستويات في الوزارة، وما رافق ذلك من كشف لخفايا وتجاوزات مالية كبيرة ولعلاقات مشبوهة كانت سائدة فيما بين الإدارة وبعض كبار التجار وبمباركة وغض نظر من المسؤولين والمشرفين المباشرين عليها من وزارة التجارة حينذاك… وكان ثاني هذه الخطوات الاتجاه نحو تعزيز دور المؤسسة في التنوع وسد الثغرات بمسالة تأمين المواطن بالسلع المفقودة وبأسعار معقولة وخصوصاً خلال فترة حملات الوزارة على السلع الأساسية المحتكرة كالسكر والزيت النباتي والارز…وغيرها… اما الخطوة الأحدث في هذا النهج الإصلاحي فتمثلت بإخضاع كافة صالات السورية للتجارة لنظام الرقابة التموينية لأول مرة، وإتاحة الفرصة للمواطن بالشكوى على اداء العاملين فيها وكان من بين النتائج المباشرة والسريعة لهذا الإجراء تسجيل مئات الضبوط إضافة إلى عزل العشرات من مدراء الصالات لثبوت ارتكابهم مخالفات او بسبب تقصيرهم في اداء واجبهم الوظيفي، الأمر الذي يسهم في تحسين الأداء وتحسين جودة الخدمة..
وبالتأكيد كل ذلك يأتي -كما ذكرت- باتجاه إعادة تصويب عمل المؤسسة واستعادة دورها الإيجابي المنتظر وتحريرها من الفساد ومن النمطية التقليدية القاصرة كي تتمكن من أخذ دورها كاملاً في هذا الظرف الاقتصادي الصعب.. ويتذكر معظمنا ما حققته المؤسسة العامة الاستهلاكية في فترة السبعينات والثمانينات وكانت حينها ايضا فترة حروب وحصار اقتصادي خانق على سورية وقد لعبت “الاستهلاكية” دوراً تاريخياً مهماً في توفير مجموعة من المواد والسلع الأساسية للمواطن بأسعار مناسبة جدا ولعبت دوراً إيجابياً في حماية المستهلك من احتكار تجار السوق… واليوم نحن بحاجة الى استعادة هذا الدور وهذه المكانة من خلال خليفتها “السورية للتجارة” مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف والخصوصية الزمنية مع ضرورة إدخال إصلاحات كبيرة وتحريرها من الكثير من العوائق الإدارية والبيروقراطية لتمكينها من ممارسة الدور المنتظر منها، وهذا ما يعمل حالياً عليه الفريق الجديد في وزارة التجارة الداخلية..
ايضا بنفس السياق.. من قال بأن المؤسسة يجب ان تخسر دائما؟؟ هذا امر مرفوض وغير منطقي.. بل على العكس تماماً يجب ان تسعى الى الربح في العديد من خدماتها شرط ألا تُحيد عن دورها الاساسي، وهناك الكثير من المنتجات والخدمات يمكن أن تحقق فيها قيمة مضافة وربحاً مزدوجاً ومن بينها تسويق منتجات وخدمات القطاع العام على سبيل المثال والتي لا يستهان ابداً بقيمتها او بأهميتها الاقتصادية.. بالإضافة طبعا لتسويق منتجات القطاع الخاص التي لا تنتجها مؤسسات وشركات القطاع العام.. وبالتأكيد يحتاج ذلك الى تحسين واقع البنية التحتية لمجمعات وصالات المؤسسة وزيادة رأسمالها السوقي وانتشارها الافقي لتغطية غالبية البلدات والقرى والأحياء..
باختصار.. من امتلك الرؤية العلمية الواقعية وناصية الحكمة والفكر الناضج يمكنه ان يحقق طموحه في النجاح… ومن يمتلك الإرادة ولديه مثل هذه المؤسسة الوطنية بإمكاناتها الضخمة وصالاتها الكبيرة وبانتشارها الواسع يمكنه ايضا ان يحصد النجاح ويحقق المعجزات.. نعم المعجزات قياساً بالواقع الراهن وبما يراه الكثيرون مستحيلاً وضرباً من الخيال.. وهذا ما نتمنى ان يحدث اليوم مع خطط وأفكار وزير التجارة الداخلية وفريقه الذي يعمل لتحقيق هذه الغاية ونأمل أن ينجحوا بذلك.
بوركت جهودكم