دمشق – بشير فرزان
مسح الخطوط الحمراء والتخلي عن ركائز الاستقرار المجتمعي أصبح تحت ضغوطات الحرب والحصار مسألة وقت لا أكثر، وهو من أقسى السياسات الاقتصادية التي لها تداعيات كبيرة على حياة الناس، وبشكل يوهن عزيمة المواطن ويثقل أعباءه المعيشية، وخاصة لجهة ما يتم تداوله اليوم عن المستثنين من الدعم، وما يشوب هذا الفرز الطبقي من مغالطات وأخطاء لعدم وجود البيانات المطلوبة لمثل هذا الاستثناء، ونخص هنا ما يتعلق بالملكيات العقارية بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار.
وفي مقابل هذه التحولات التي لا نشكك في صحتها كاملة، بل نشير إلى بعض تفاصيلها غير السليمة، نعود إلى واقع الحياة العامة، وتحديداً ما يجري في السوق الدوائية، والمعاناة الكبيرة للناس لجهة غياب بعض الأصناف الدوائية، أو ارتفاع أسعارها بصورة متسارعة وأشبه ما تكون بابتزاز المرضى، في الوقت الذي يتابع فيه المنظّرون الاقتصاديون إخراج الدواء من اعتبارات السلع التجارية، ويتشددون بضرورة تأمينه بمواصفات علاجية عالية الجودة، بينما السوق الدوائية غارقة بالكثير من المخالفات والتجاوزات التي تنهش بركائز الصناعة الدوائية في سورية، فالجودة باتت في خبر كان، والكثير من الأنواع الدوائية فقدت فعاليتها العلاجية بشكل يزيد من معاناة الناس، ويؤجج أوجاع جيوبهم التي تستصرخ الضمائر دون جدوى، خاصة مع احتدام المواجهة مع أصحاب المعامل الذين يضعون أسباب ارتفاع أسعار الدواء في دائرة ارتفاع التكاليف التي يتخذونها مبرراً لرفع أسعاره، إلى جانب نقص المكونات الأساسية، وهجرة الكثير من أصحاب المعامل، كما يصر هؤلاء على أن رخص الدواء يجبر المعامل على البحث عن طرق لخفض التكلفة.
وبالمحصلة النهائية، عندما تتم المطالبة برفع سعر الدواء 70%، في الوقت الذي تخطت فيه تكلفة الفاتورة الدوائية للأمراض المزمنة لمريض واحد عتبة 70 ألف ليرة شهرياً، خاصة لفئة المتقاعدين برواتبهم الهزيلة، فهذا يعني مضاعفة العبء، والحكم بالنهاية السريعة لعشرات الآلاف من هؤلاء من أجل تحقيق أرباح لأصحاب حوالي 85 معملاً يلوحون بخسائرهم التي لم تتعد واقع خفض نسب أرباحهم فقط.
واليوم مع تنامي سيناريو “ادفع أكثر” تحصل على الخدمة التي تريدها، سواء في الكهرباء، أو في الخبز، أو في المحروقات، نرى أن هذا السيناريو ذاته يعمم على سوق الدواء، فإما رفع الأسعار، أو فقدان الأدوية وعدم توفرها، وهذا بالمحصلة المعيشية والمجتمعية مساس واضح بهيبة المؤسسات الحكومية، وانتزاع مقلق لحضورها في المجتمع السوري، وهنا لابد من التأكيد على أهمية استثمار الوفورات التي ستحققها عملية اختزال فاتورة الدعم في السوق الدوائية، والحفاظ على استقرارها لما لها من خصوصية في حياة الناس، وفي خفض الفاتورة الصحية؟