تخطى إلى المحتوى

السورية للحمضيات..

*علي محمود جديد :
ما حصل هذا العام لموسم الحمضيات، ليس غريباً ولا جديداً عمّا كان يحصل في مواسم عقودٍ سابقة، من انهيار أسعار، وضياع إنتاج وتعب الكثير من الفلاحين والمنتجين، فالمشكلة هي هي من بداية الموسم، وصولاً إلى الاستنفار الحكومي المتأخر بعد فوات الأوان إلى حدّ كبير، وأمّا بالنسبة لما تبقى من الموسم فرغم كل الجهود المبذولة ما يزال المنتجون يعانون ويشكون بأنهم لم يستفيدوا شيئاً من كل ما حصل، وها هو موسمهم طريح الأرض، أو في منتصف دائرة الخطر.
المشكلة باتت مزمنة بامتياز، فمنذ أن بدأنا بإنتاج ما يفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي – في ثمانينات القرن الماضي – لنا في كل عام حكاية إخفاقٍ جديدة في تسويق الحمضيات، وأذكر أن ( الشركة العامة للخضار والفواكه ) في ذلك الزمان، كانت في كل عام تحاول أن تتصدى لهذا الموضوع وتفشل، مثلما تفشل اليوم السورية للتجارة بتصديها لعملية تسويق هذا الموسم، والذي ازداد أضعافاً في كمياته المنتجة عما كان عليه في تلك السنوات الغابرة.
وفشل شركة الخضار والفواكه في ذلك الزمان، والسورية للتجارة اليوم، طبيعي جداً بالمقياس الاقتصادي والتجاري وبحساب القدرة والامكانيات، وليس ناجماً فقط عن الفساد والتلاعب، رغم أنه من الصعب جداً تنزيه المؤسستين، لاسيما وأن السورية للتجارة باتت تضم اليوم أساطين الفاسدين الأولين، وأفراخهم اللاحقين في مختلف الشركات والمؤسسات الأخرى التي اندمجت مع بعضها بكيانٍ موحّد، وقد تمرّس هؤلاء بشكلٍ متقن على مقاتلة النزاهة وابتداع أفظع أساليب التلاعب، والتي من أبرزها تلك التي تمارس بميدان الهدر ( النظامي ) وطريقة احتساب نسبته، وبغض النظر عن ذلك فإن الفشل هنا طبيعي بالفعل لأن تصميم هاتين المؤسستين لم يكن سابقاً ولا هو اليوم مصنوعاً من أجل احتضان الموسم بالكامل، وإنما من قبيل المؤازرة والمساهمة جزئياً في تسويقه لا أكثر، ولا توجد أية جهة بعد مسؤولة عن تسويقه ولا التعامل مع إنتاجه، فنرى وزارة الزراعة مسؤولة وغير مسؤولة، ووزارة التجارة الداخلية معنية وغير معنية، ووزارة الاقتصاد يخصها الأمر ولا يخصها، ووزارة الصناعة بريئة ومدانة، ووزارة الإدارة المحلية مندفعة وتحتار ماذا تفعل ..؟ وكل هذه الجهات معها حق فهي غير معنيّة بالكامل فعلاً، ولا يوجد أي تكليف ولا أي تشريع يلقي عليها مسؤولية تسويق الحمضيات.
حمضياتنا كنزٌ حقيقي لم نتقن التعاطي معه بعد، فهو يشكل جزءاً واحداً من مئة جزء على هذه الأرض كلها، فإنتاج العالم سنوياً مئة مليون طن، وإنتاجنا نحن مليون طن .. بل أكثر، وعلى مدى نحو أربعين ألف هكتار، يشتغل فيها أكثر من خمسين ألف أسرة، وهذا كله يقودنا للتفكير جديّاً بضرورة حسم وإنهاء مصاعب هذا الإنتاج والسيطرة عليه بالكامل وإقفال ملفه، وهذا لا يمكن أن يحصل – بعد عقودٍ من التجارب الفاشلة – إلاّ بقرارٍ جريء يضع الحمضيات في خانة ( الزراعات الاستراتيجية ) لتقوم بعد ذلك مؤسسة برتقالية ضامنة لهذا الموسم يكون شغلها الشاغل أن تتبنّاه من ألفه إلى يائه – كما تتبنى مؤسسة التبغ موسم التبغ وتسويقه – وتسعى البرتقالية بكل إمكاناتها وأساليبها ووسائلها لتخطيط زراعاته وإجراء البحوث عليه والدراسات الواقعية والمعمقة للتمكن من التقاط الفرص، لتسويقه وتصديره وتوضيبه وتخزينه وتصنيعه، وتكون قادرة بخبرات مدروسة على الترويج والتفاوض والتعاقد داخلياً وخارجياً بصلاحيات حقيقية ودون عراقيل ولا تدخّلات، لتتمكّن من ممارسة أعمالها على أكمل وجه والانتصار للموسم وعليه .. واستيعاب فيضانه.
( السورية للحمضيات ) ليست مجرد حلمٍ للموسم ومنتجيه، وإنما هي المؤسسة الممكنة التي صار إحداثها ناضجاً، هي الحلم الجميل والواقعي لإثراء اقتصادنا الوطني الذي سيأخذ منها جانباً محرزاً من انتعاشٍ مُنتظر.

السلطة الرابعة

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات