تخطى إلى المحتوى

أي وصفة يحتاجها الاقتصاد السوري ليستعيد عافيته؟!

بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:

في البدء كان الاقتصاد ولا شيء آخر.. ومنه تتفرع وتتغذى وتنمو باقي القطاعات.. وعندما يكون الاقتصاد قوياً ومتماسكاً تتاح حينها الفرص المناسبة للارتقاء بجميع المكونات والقطاعات في البلد، ومن هنا لا يمكن الحديث عن نهوض علمي او اجتماعي او ثقافي حقيقي في ظل وضع اقتصادي هش وغير صحي.. هذه معادلة متكاملة لا تقبل الاجتزاء او اعتماد أنصاف الحلول.

طوال فترة الحرب على سورية كان الرهان الخارجي على كسر شوكة الاقتصاد السوري من خلال العقوبات والحصار بالإضافة الى التخريب الممنهج من الاعداء في الداخل.. وكان من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد بهذا الكم الهائل من الضغط الخارجي والداخلي وهذا ما حصل ويحصل اليوم.. ولكن رغم ذلك لم ينهار الاقتصاد -وهذه حقيقة- رغم ما يعانيه الآن من تشوهات وتأثيرات تطال البنية التحتية والمرتكزات الأساسية وخصوصاً ما يتعلق بتأثر الجوانب المعيشية للمواطن وصولاً إلى التغيرات البنيوية السلبية في سلوك الافراد في المجتمع بشكل عام.

التكيف مع المتغيرات ربما هو من أهم ما يميز الاقتصاد السوري والمواطن السوري على حد سواء.. وتثبت الوقائع والأحداث المتلاحقة بأن جميع المراحل والظروف والمحطات الصعبة تم تخطيها وتجاوز تأثيراتها ولو بشكل نسبي من خلال التكيف والحلول البديلة برغم وجود الكثير من الخسائر والارتدادات.. وهنا نحن نتحدث بلغة اقتصادية عامة على مستوى الظرف العام، وبشمولية تبتعد عن الجانب العاطفي وتقترب من الجانب التحليلي العلمي الموضوعي… وبالتأكيد هذا التكيف والتأقلم هو قوة كامنة نابعة من قوة وصلابة الإنسان السوري رغم كونها فرضت فرضاً ولم يكن هناك من خيار آخر . ولكن ما يزعج بالأمر أن الحكومات المتعاقبة تلقفت هذا “التكيف” وعمدت في الكثير من الأحيان إلى “الاستسهال” في إصدار القرارات التي قد تريحها نسبياً ولو كان ذلك على حساب المواطن متوقعة بأنه مع الوقت سيتكيف مع الواقع الجديد الناتج عن هذه القرارات… وهذا خطأ فادح يجب ألا يستمر، والأجدى بها البحث عن حلول او بدائل للتخفيف من التأثيرات السلبية المحتملة لبعض القرارات ذات الحساسية العالية لقطاعات معينة..

معلوم للجميع بأن الاقتصاد السوري في فترة ما قبل الحرب كان اقتصاداً متنوعاً.. وسورية بلد غني بالموارد الطبيعية والخيرات من زراعة صناعة تجارة سياحة خدمات…….الخ، والاكتفاء الذاتي كان شعاراً تم تحقيقه بنسبة كبيرة وخصوصاً في مجال الغذاء والطاقة وهما أهم قطاعين اقتصاديين ولذلك كان الاقتصاد حينها بخير… أما اليوم فالأمر مختلف فنحن نعاني ما نعانيه من نقص كبير في الطاقة وبنسبة اقل في الغذاء والحبوب على الوجه التحديد.. لذلك من البديهي الاستنتاج بأن الداء الذي يعاني منه الاقتصاد هو إمدادات الطاقة والتكاليف الباهظة لتوفيرها.. وإذا ما أردنا للاقتصاد أن يتعافى يجب التركيز على موضوع توفير المشتقات النفطية بأسعار مقبولة للتخفيف من تكاليف الانتاج المرتفعة وتأمين انسياب السلع والمنتجات إلى الأسواق المحلية والخارجية.. ولكن في الظروف الحالية ليس هناك من حلول سحرية منتظرة في الأفق القريب لحل مشكلة تأمين الطاقة في ظل استمرار سيطرة الاحتلال الأمريكي وشركائه في الداخل على المصادر الرئيسية لمنابع النفط في شمال وشرق البلاد، وفي ظل صعوبة استجرار ونقل النفط من الدول الصديقة.. فهل يعني ذلك استمرار المعاناة وبقاء الواقع على ما هو عليه؟؟ طبعا لا.. والحل برأيي هو بالعودة الى ما أشرنا إليه بموضوع التكيف والتأقلم مع الواقع الحالي لموارد الطاقة والافتراض بأن الواقع سيطول، وبضرورة الاعتماد على بدائل ومعالجات وحلول مجدية كتكثيف عمليات استكشاف النفط والغاز في البر والبحر وتحسين واقع الاستخراج من الآبار الموجودة المستثمرة، بالإضافة طبعا الى الاستمرار في سياسة تشجيع الاستثمار في الطاقات البديلة “الشمسية والريحية” والتي لا تزال تسير ببطء شديد وفي حدودها الدنيا!!.. هذه الخطوات يجب أن تكون من أولويات عمل الحكومة بالإضافة طبعا الى اتباع برامج اقتصادية تنموية اكثر مرونة في التطبيق.. فبرغم إقرار الكثير من القوانين والتشريعات المحفزة للاستثمار إلا أن التطبيق على ارض الواقع يواجه صعوبات وعقبات عديدة من قوى بيروقراطية وايادي خفية عابثة تمنع الوصول الى الغايات والنهايات المأمولة.. ولذلك لابد من الانتباه الى هذه المسألة الحساسة ومعالجتها..

في الختام أقول.. في أسوأ الحالات والاحتمالات.. لننسى أو لنفترض اننا بلد غير نفطي ومستورد للمشتقات النفطية بتكاليف عالية، ولكن لنتذكر بنفس الوقت بأننا كبلد نمتلك مقومات مهمة كثيرة من بينها الزراعة والصناعة والسياحة ومقومات اخرى من بينها العامل البشري الخلاق والمتميز… وهذه المقومات يمكن في حال استثمارها بشكل جيد أن نتغلب على أكبر واهم المشكلات والصعوبات.. ولكن الأمر يحتاج الى إرادة حقيقية والى إدارة متمكنة وتخطيط علمي دقيق ومتابعة حسن تنفيذ وتطبيق الخطط والبرامج على أرض الواقع.. وهذا للأسف لايزال ابرز نقاط الضعف التي تعاني منها إدارة مؤسساتنا العامة في سورية.. هذا باختصار تشخيص بسيط ومعروف لواقع اقتصادنا “الجريح”، وهذه هي الوصفة المناسبة لاستعادة صحته وعافيته.. وكما ذكرنا في المقدمة عندما يتعافى الاقتصاد سينعكس ذلك حكماً على باقي القطاعات وعلى الأحوال العامة في البلد..

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات