في عصر السرعة والتكنولوجيا لم يعد المتلقي مهتما بقراءة المطولات والحشو والتفاصيل بل أصبح أكثر رغبة بالوصول إلى الطرق من أقصر أبوابها وهو ما استدعى بروز ظاهرة ما يسمى بالأدب الوجيز وفق رأي المختصين.
وفي مقابلة مع وكالة سانا أوضح القاص علي الراعي أن الأدب الوجيز ليس جديداً فقد يكون المصطلح هو الجديد لكن كنصوص قصيرة فهي معروفة منذ العصر الإغريقي حيث كتب إيسوبو الأمثولات والقصص التي تنتمي لهذا النوع وربما يكون ايسوبو أول من ينتمي لهذا الأدب.
ولفت الراعي إلى أن همنغواي في منتصف القرن العشرين كتب القصة القصيرة لأول مرة “قصة الحذاء” وكانت دون الـ 25 كلمة ولم يطلقوا عليها مصطلح “ق ق ج” أي “قصة قصيرة جداً” كما أن تشيخوف أوصى بكتابة القصة دون الـ 50 كلمة “كقصة الثروة” وكذلك كتب جبران خليل جبران النصوص القصيرة.
وبين الراعي أن مصطلح الـ “ق ق ج” جاء في التسعينيات على يد مجموعة من الأدباء المتحمسين منهم يوسف حطيني وعماد نداف وعملوا شروطا لهذا النوع وربما كان هذا الخطأ القاتل الذي وقعوا به حسب رأيه لأنهم وضعوا شروطاً لجنس من الأدب لم يتبلور بعد.
وأوضح أن هناك ملامح مشتركة بين مختلف أنواع الأدب الوجيز مثل المشهدية والتقنيات الحديثة في البلاغة ومنها الإخفاء والإمحاء والانزياح والترميز لذلك من الصعوبة بمكان التمييز أحياناً بين القصة القصيرة جداً وبين الومضة الشعرية.
كما أشار الراعي إلى أن صاحب مصطلح الادب الوجيز هو الأديب اللبناني أمين الديب وقد أطلقه من سورية عندما تمت استضافته في ملتقى “القصة القصيرة جداً” لافتاً إلى أنه اختلف معه “لأنه اعتبر الأدب الوجيز نوعاً أدبياً مستقلاً بذاته ونحن اعتبرناه إطاراً لمجموعة آداب”.
وأوضح الراعي أن الادب الوجيز أصبح اليوم تياراً للثقافة ليس في سورية وإنما في العالم العربي قاطبة يكتبه كبار الشعراء والكتاب والكثير من الشعراء يميلون إليه مشيراً إلى أن الأقوال المأثورة ليست أدباً وجيزاً لأنها لا تحمل عناصر المشهدية والحكائية والشاعرية بعكس القصة القصيرة وقصيدة الومضة اللتين تنتميان للأدب لوجود تلك العناصر فيها كما أن الومضة والتوقيعة لهما علاقة بالزمن.
كما بين الراعي أن شعر الهايكو لم يعد يقتصر على اليابانيين رغم أن باشو الياباني هو المؤسس موضحاً أن السوريين كانوا سباقين في هذا المجال وأولهم الشاعر محمد عضيمة ثم عبدو زرزور الذي ترجم شعر الهايكو إلى الإسبانية والألمانية والعربية وسواهم وقد انتشر هذا النوع عالمياً ليصبح معادلا لكل الأمكنة.
واعتبر الراعي أن الهايكو لا يمكن أن يكون إلا يابانياً لأن له شروطاً قاسية لا يصلح تطبيقها لكل الثقافات لكن هناك معادلات أو مقاربات جعلت لكل بلد الهايكو الخاص فيه فالشرط الياباني أن يخلو من أي مجاز ويقتصر على مشهد طبيعي تنقله بطريقة ما كأن تقول: “مواء القطة.. أنا في آخر الشارع” أما في اللغة العربية فلا يمكن أن يقدم الأدب بلا مجاز مثلاً..” وأنا أقول طالما تحررت من أقفاص الخليل ما الذي يأخذك إلى أقفاص باشو”.
ولفت الراعي إلى إدارته لأكثر من 23 فعالية لملتقى النصوص القصصية في معظم المحافظات وهو في مسألة قبول النصوص المشاركة يمسك العصا من الوسط لأنه يحاول أن يقدم شيئاً جميلاً أمام هذا الخراب الذي يجتاح عالمنا وفق تعبيره مشيراً إلى أن انطلاقة الادب الوجيز أخذ شرعيته في لبنان وتونس اليوم وهو يدرس في الجامعات اللبنانية وهناك تجربة للشعراء أمين ديب ولارا ملاك وتمارا الديب فيه.
علي الراعي الذي يميل للقصة القصيرة وإلى التكثيف ثم الومضات الشعرية صدرت له مجموعة بعنوان “كعبور عتبات بقدمين من ريح” تمزج بين القصة والنص الشعري إضافة إلى مجموعة أخرى بعنوان “كماء العنب في آب العناقيد” تحمل نفس المناخات وهي نصوص شعرية.
ويختم الراعي لقاءه بالحديث على أنه في الشعر مغرم بكاف التشبيه التي تشبه حياتنا فلا يوجد فيها مؤكد لحالة أحلامنا التي لم تكتمل وطالما أن الحلم يبقى ناقصاً غير مكتمل فهو في حالة إبداع وإذا اكتمل يصل إلى حالة إفلاس حسب وصفه.
بانوراما سورية- بلال أحمد- سانا