لطالما كانت الموسيقى هي غذاء الروح..ففي العشق تزيدنا الموسيقي فرحاً، وفي الحزن تناجي الأعماق. كذلك عند الأطفال.. فعندما نُغذي الأذن بالموسيقى ذات الإيقاع الصحيح ونعمل على تنمية موهبته بشكل احترافي، فحتماً سنصل لجيل مهذب موسيقياً وراقي فكرياً منسجم اجتماعياً.
انطلاقاً من أهمية الموسيقا خُلق مشروع الروضة الموسيقية في محافظة طرطوس سنتعرف عنها بداية مع صاحب الفكرة والمؤسس الأستاذ عمار محمد مدير معهد عتبات الموسيقي : “بدأت الفكرة بعد ما طرحنا عبر الفيس بوك فكرة إطلاق الثانويات الموسيقية المتخصصة على وزارة التربية أسوة بالثانويات التجارية والصناعية والشريعة والفنون وغيرها، لكن عندما لم يلق الامر أي تجاوب قررت إنشاء فكرة الروضة الموسيقية خاصة أنني شخصياً أرى أن الموسيقا مكون ضروري وهام في شخصية الإنسان وليست عنصر ثقافي كمالي… وقلت ربما مع الأيام نستطيع أن نصل مع أطفالنا الأعزاء إلى فكرة أن يستمروا في دراستهم الموسيقية كما يجب وبكل احتراف هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى فإن فكرة إعادة إعمار الإنسان الذي تأذى بشكل لا يوصف هي هاجس ومقلقة جداً ونرجو أن نكون جزء من مشروع إعادة بناء الإنسان من جديد وكما نحب ويجب. بعد اكتمال التحضير لإطلاق الفكرة والمشروع بدأت بالبحث عن الشخص الذي سيكون معي في هذا المشروع بشكل متأنٍ جداً وكانت الأستاذة إيناس لطوف بما تمتلكه من قدرات وروح رائعة معطاءة ولطيفة، هي الشخص الوحيد الذي يمكنه تنفيذ الفكرة معي وفعلاً طلبت منها ولحسن الحظ أنها قبلت مرافقتي في هذا المشروع.”
وعن التطلعات التي يرجونها على المدى المنظور حدثنا محمد قائلاً : “ما نطمح إليه في روضتنا الموسيقية هو الوصول بأطفالنا إلى مستوى قراءة النوتة بشكل احترافي عبر دروسنا الأكاديمية والاحترافية … وتأهيلهم بشكل دقيق لتلقي تعلم العزف والغناء بشكل أكثر دقة وسهولة ويسر .. فكما نعرف أن عمر أربع سنوات هو من الأعمار الصعبة والتي يتهرب منها معظم مدرسي العزف إذ يكون الطفل في هذه المرحلة أكثر ميولاً للعب والتسلية منها إلى تعلم العزف على آلة موسيقية وبشكل إفرادي … لهذا كانت دروسنا بشكل جماعي وتفاعلية وتعتمد اللعب والمرح كأساس لتنفيذها. مر اليوم، الشهر الثالث على انطلاق الروضة الموسيقية وكل شيء على ما يرام وأكثر بكثير مما خططنا له “
ومن جانب آخر، لا يمكننا أن ننكر دور المُدرس في جذب الطفل لجعله يتقبل الحصة التعليمية ويتابع بحُب تلقي الدروس أو التوقف والنفور منها . وهنا نتحدث عن أطفال عشقت الموسيقى فكانت الأستاذة إيناس لطوف هي السر.
في مستهل حديثنا عن بدايات المشروع قالت لطوف: “بداية تم طرح فكرة المشروع من قبل الأستاذ عمار محمد وهو انسان لديه شغف كبير بالفن والموسيقا تحديداً، ويحمل هم الإرتقاء بسوية الذائقة الفنية في المحافظة بشكل عام. وبما أنني بنت هذه المدينة و عُدتُ منذ فترة للاستقرار فيها. كان من أولوياتي بالتأكيد تقديم الفائدة والخبرة التي اكتسبتها لكل طلاب الموسيقا والغناء المؤمنين بحلمهم وشغفهم فكيف وأن تعرض عليي فكرة الروضة الموسيقية التي تُعنى بفئة عمرية محببة إلى قلبي هم الأطفال. وافقت ودعمت فكرة المشروع على الفور وأنا سعيدة بأنني الآن من مؤسسين هذا المشروع المهم جداً على أكثر من صعيد.”
” مبدأيا المدة المحددة لتحقيق غايتنا الأولية وهدفنا المرجو هي لنهاية فصل الصيف على الأقل نستطيع القول أن الطفل خرج بأساسيات تؤهله للتعلم على آلة موسيقية من خلال تطوير أذنه و إحساسه بالإيقاع والنبض الداخلي لديه، بالإضافة إلى الغناء والرقص التفاعلي والإيقاع الحركي وايضاً تنمية حس التفاعل لديه والتعامل مع أقرانه بشكل جيد.”
أما بالنسبة للأطفال وطريقة التعامل معهم حيث يحتاج لأسلوب خاص ومختلف عن اليافعين أو الشباب ،وحقيقة ربما هو متعب، حدثتنا لطوف: ” برأيي في تدريس هذه الفئة العمرية من 4 سنوات فمافوق على كل مدرس أن يمتلك طفل صغير بداخله ويجعله يطفو إلى السطح فيتعامل مع الأطفال من خلاله في كثير من الأوقات كما يجب أن يتحلى بالذكاء المطلوب ليتعامل مع ذكاء الطفل الخاص، والأهم هو الشغف وحب مايفعل وخاصة الموسيقا، حتى يستطيع أن يُقدم كل ما تحمله من معاني الجمال والإنسانية والأخلاق وتهذيب النفس والروح. كما اعتمدت الطرق الحديثة في التعليم عن طريق اللعب واخترت أدواتي بدقة من خلال النشاطات التفاعلية الموسيقية والإيقاع الحركي والرقص والرسم والألوان والتخيل والاستماع وإلى الآن النتائج مبهرة فعلاً. “
وعن الأطفال وتفاعلهم في الدروس قالت: ” أنا سعيدة بهذه التجربة والأطفال المنتسبين لروضتنا حتى الآن يقدمون النتائج الأفضل التي فاقت توقعاتنا حقيقة في فترة قصيرة منذ بداية المشروع على صعيد التفاعل والحس والايقاع والاستماع وحتى القسم النظري المطلوب منهم وكل طفل منهم يمثل نموذج خاص في التفكير والتفاعل والتجاوب والاستقبال للمعلومة و الدروس.
فالموسيقي تزيد من تركيز الطفل وتنمي إدراكه وقدرته على التخيل والتفاعل وتقوي نشاطه الإجتماعي والذكاء العاطفي لديه بالإضافة إلى ماتحمله من قيم سامية من قيم الجمال والخير والإنسانية فإذاً الموسيقا هي الخيار الأفضل لصحة أطفالنا النفسية والجسدية أيضاً. ونحنا مستمرون في مشروعنا لإيصال الطفل إلى بر الأمان كتأسيس وامتلاك المفاتيح الأولى للانطلاق في رحلة الموسيقا والعلم في الصيف وأثناء الفصل الدراسي أيضاً نستقبل أطفالنا المميزين لتكون الموسيقى رديف لإبداعهم وتميزيهم العلمي. “
يُذكر أن الأستاذة إيناس لطوف خريجة المعهد العالي للموسيقا و ماجستير في التربية الموسيقية تأهيل وتخصص.
بالنهاية تعلم الموسيقى هو تراكمي ومستمر كأي علم من العلوم كلما تعمقنا أكثر وغصنا في أعماقه وصلنا لعلوم أُخرى مرتبطة مع بعضها.