تخطى إلى المحتوى

النظرية السياسية السادسة……

* باسل الخطيب:

ألكسندر دوغين…. لم تحظ أفكار أي فيلسوف أو مفكر خلال العقدين الماضيين بالنقاش و الجدل، كما حظيت بها أفكار دوغين، و لا أعتقد أنه كان لفيلسوف أو مفكر خلال القرن الحالي من تأثير و فعالية كما كان له……
ينتمي ألكسندر دوغين إلى صنف الفلاسفة و المفكرين الذين صنعوا التاريخ، بكل ما في الكلمة من معنى، نحن نتحدث هنا عن مارتن لوثر، فولتير، بينجامين فرانكلين، نيتشه، كارل ماركس، أنجلز، ليو شتراوس، هينتنغون، فوكاياما……
و بغض النظر عن الرأي سلباً أو إيجاباً عن أفكار هؤلاء، لكن على أساس أفكارهم و رؤاهم تشكلت نظريات سياسية قامت على أساسها كيانات سياسية و أنظمة حكم و دول و استراتيجيات جيوبولوتيكية……
عرف تاريخ العالم الكثير من المفكرين، و لكن أغلبهم كانوا تقليديين أو مقلدين أو ناقدين، قلة هم المفكرون الإبداعيون الخلاقون…..
أفكار مارتن لوثر هزت أركان كنيسة روما، الكنيسة الكاثوليكية، و كانت نتائجها كنيسة جديدة، و حروب طاحنة حمل ظاهرها الطابع الديني، تمخضت عنها كيانات سياسية، كان المذهب أحد أعمدتها، تلك الحروب التي عرفتها أوروبا في القرون الوسطى كانت حصيلتها فرنسا و إسبانيا و إيطاليا الكاثولوكية، ألمانيا و هولندا و إنجلترا البروتستانتية، روسيا و اليونان الأرثوذكسية……
أفكار فولتير كانت المرجعية الفكرية للثورة الفرنسية 1789، و كانت وراء كل الاضطرابات و الثورات التي عرفتها أوروبا وصولاً حتى سنة 1848، على فكرة أفكار فولتير تدحرجت من ( الاخاء، العدالة، المساواة) والتي هي شعار الثورة الفرنسية، إلى الليبرالية، ومن ثم إلى الليبرالية الحديثة، وصولاً إلى الليبرالية المتوحشة، حيث الفرد الألة أو بالأحرى الفرد الشيطان، حيث كذبة الحرية حولت الفرد إلى شيء ما يشبه أي شيء إلا الإنسان…..
نيتشه هو الأب الروحي للنازية، أفكار نيتشه كانت وراء ظهور الرايخ الثالث، ذاك الذي أنشأ الدولة النازية في ألمانيا…
على فكرة من المفارقات الكبرى و المضحكة، أن أغلب الألمان يرفضون انضمام النمسا إليهم، مع أن شعب النمسا من العرق الجرماني، والسبب أن النمسا كاثوليكية، و المقاطعة الأكبر و الاقوى في ألمانيا و التي هي بافاريا كاثولوكية هي الآخرى، و بالتالي سيصير الكاثوليك في حال انضمام النمسا كتلة كبيرة وازنة، تحد من سيطرة البروتستانت الذين يشكلون الأغلبية الساحقة الآن…..
بينجامين فرانكلين هو عراب الديمقراطية الأمريكية، تلك الديمقراطية الهجينة التي قامت على الاقانيم الثلاث التالية: الكنيسة، و تقاليد وارث و قوانين روما، و ثقافة الكاوبوي…. تلك الديمقراطية التي اعتبرتها النخبة الأمريكية إنها خلاصة الحكمة، و حاولت تسويقها إقناعاً أو فرضاً على مستوى العالم، بدءاً من مباديء ويلسون ال 14 عام 1917، وصولاً إلى ثقافة ( من ليس معنا فهو ضدنا) و التي نطقها جورج بوش الصغير عام 2001، و التي تعكس أفكار ليو شتراوس الاب الروحي والفكري للمحافظين الجدد، الذي يؤمن بحتمية تفوق وانتصار ثقافة الرجل الأبيض، و هي ثقافة ليست إلا نسخة مشذبة نوعاً ما من نازية الرايخ الثالث، تلك الثقافة التي أخذت تجلياتها النهائية مع أفكار فوياكما و هينتغون. عن صراع الحضارات و نهاية التاريخ… و سيادة العصر الأمريكي…..
على فكرة، أحد أسس نظرية شتراوس للحكم كانت (الكذبة النبيلة)، فشتراوس يعتقد أن قول الحقيقة مغامرة قد تكون قاتلة، لذا لايجب قول الحقيقة للعامة، وان تقتصر معرفة الحقيقة على الخاصة، لذا ينصح شتراوس اتباعه بالكذب لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وهذا ماطبقوه حرفياً، ولنا في مسرحية كولن باول وزير الخارجية الأمريكية عام 2003 في مجلس الأمن حول اسلحة الدمار الشامل العراقية أبلغ مثال….
تريد أن اشير إلى نقطة مهمة هنا، وهي أن ليو شتراوس هو يهودي انتسب إلى الحركة الصهيونية مبكراً، وكان في ذات الوقت من أنصار الرايخ الثالث، هل تجدونها مفارقة؟ أنا لا أجدها….
كارل ماكس و انجلز كانا العرابان الفكريان و الأبان الروحيان للشيوعية، تلك الشيوعية التي أنشأت إمبراطورية و أقامت دولاً، و مازالت حتى تاريخه تحكم الصين و كوريا الشمالية و منغوليا و كوبا….
إن بحثنا في موروثنا و تاريخنا نجد لدينا التالي، ابن تيمية، ابن تيمية و إن كان صاحب فكر فاسد، و لكن لا تستطيع أن نذكر أنه أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخنا، فعلى أساس أفكاره قامت منظومة سياسية كاملة، كانت مخرجاتها دولاً و أنظمة حكم وكيانات سياسية، و لا نستطيع أن نغفل في هذا السياق تلميذه محمد بن عبد الوهاب، فرغم الفارق الزمني الكبير الذي يفصل بينهما، لكنهما ليسا إلا واحد، و على أساس أفكار محمد بن عبد الوهاب قام الكيان الوهابي في شبه الجزيرة، و ماسمي الدولة الإسلامية في سوريا و العراق( داعش)، و نظام طالبان في أفغانستان…..
يندرج أيضاً في هذا السياق سيد قطب، العراب الفكري لجماعة الإخوان المسلمين، لخص سيد قطب أفكاره في كتاب ( معالم على الطريق)، و الذي صار ( قرآن الإخوان المسلمين)، و على أساس تلك الأفكار أقام الإخوان دولتهم في مصر و تونس و ليبيا و السودان….
هؤلاء الثلاثة: ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و سيد قطب، و إن لا نتفق معهم مطلقاً، لكن لا نستطيع أن نغفل تأثيرهم الهائل و المستمر حتى تاريخه….
في المقابل لدينا نموذجان مغايران هما زكي الأرسوزي و أنطوان سعادة، زكي الأرسوزي كان الأب الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي، هذا الحزب هو أكبر حركة جيوبولوتيكية عرفها التاريخ العربي، تلك الحركة كانت عابرة للحدود والطوائف، و لكن أفسدتها الصراعات الداخلية والسلطة….
نأتي إلى انطون سعادة، الرجل كان صاحب رؤيا و فكر عميق، وكان نتاج ذلك الحزب القومي الاجتماعي السوري، على فكرة انطون سعادة هو الوحيد من بين كل من ذكرنا من مفكرين، لم تقم دولة وفق افكاره، وان كانت رؤياه لنظام الحكم و شكل الدولة أكثرهم واقعية…..
اعتقادي أن الأرسوزي وسعادة هما أعظم ماانجبته هذه المنطقة خلال القرنين الماضيين….
كل ما ذكرنا من اسماء أعلاه سواء اتفقنا معهم ام اختلفنا كانوا أصحاب رؤى صنعت التاريخ، وقد يقول قائل أين الجابري ومحمد حسنين هيكل والكواكبي في هذه القائمة؟ نحن تحدثنا أعلاه عن شخصيات قامت على أفكارها كيانات سياسية مازالت حتى تاريخه مستمرة وتتفاعل، بالنسبة لمحمد عابد الجابري فقد كان يشوب فكره الطائفية الضيقة، أما هيكل فكانت مشكلة أفكاره أنه قرنها بشخص جمال عبد الناصر، وجمال عبد الناصر لم يكن صاحب رؤيا، إنما صاحب عاطفة، ولكنها صادقة، أما الكواكبي فرغم عظيم ماكنبه إلا أن الكثير من أفكاره كانت تشوبها الطوباوية أو المثالية المفرطة…..
ينتمي دوغين إلى الصف الاول والنخبوي من المفكرين صناع التاريخ كما أسلفنا،، حصر غودين النظريات السياسية في ثلاث نظريات، الشيوعية والفاشية وضمناً النازية والليبرالية، و طرح نظرية سياسية رابعة لا تقوم على الفرد أو العرق أو القومية، إنما على الوعي الإنساني الذاتي الذي همشته التكنولوجيا، نظرية دوغين بقدر ماهي معقدة هي سهلة، هذه النظرية تعيد للإنسان كإنسان محوريته، وتجعل القيم الإنسانية السامية أساس بناء الدول وأساس علاقاتها …
لايشبه دوغين في فلسفته إلا زينون الرواقي، ذاك الفيلسوف السوري الفينيقي العظيم، والذي كانت الفضيلة عنده معياراً اساسياً للحكم….
على فكرة كم اتمنى أن نشهد يوماً تسمية أحد شوارع او ساحات طرطوس باسم زينون الرواقي……
يلقب الغرب دوغين بأنه أخطر فيلسوف في العالم، وهذا ليس عبثاً، لأن النظرية السياسية التي يطرحها تناقض فكر الليبرالية المتوحشة في مختلف المجالات، السياسية والفنية والثقافية والفكرية زالاقتصادية.والمجتمعية…..
هكذا نستطيع أن نفهم حدية ومركزية الصراع الحالي بين روسيا والغرب، أنه صراع يتجاوز الايدلوجيات والمصالح إلى كونه صراع قيم….
أريد أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، وهي أنه -وكما أعتقد- قد فات دوغين في تصنيف النظريات السياسية نظريتين أخريين، ومانقوله هو رأينا الذي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ….
النظرية السياسية الرابعة هي النظرية الدينية، فقد عرف التاريخ عدة دول دينية، وبعضها مازال موجوداً حتى تاريخه، إيران وافغانستان…
أما النظرية الخامسة فهي ما أسميه (نظرية الأمر الواقع)، فلا يوجد أي تفسير منطقي لنشوء دول كبلجيكا أو كوسوفو أو مونتنيغرو إلا ذلك،…
فتكون نظرية دوغين وفق هذه الحسبة هي النظرية السادسة….
تناقلت كل وسائل الإعلام أن عملية الاغتيال التي ذهبت ضحيتها داريا دوغينا كانت تستهدف والدها الكسندر دوغين، اختلف مع الجميع في ذلك، العملية كانت تستهدف داريا نفسها، داريا تشكل الاستمرارية لفكر والدها، عدا عن كونها أكثر تشدداً في مقاربتها لخطر الليبرالية المتوحشة….
تأملوا شكل دوغين، تلك اللحية وتلك الجبهة العريضة، هل رأيتم شكل زينون؟؟….صورة زينون نقلتها لنا أحد التماثيل الإغريقية….هل تظنون أن ذاك التشابه الكبير صدفة؟؟…….

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات