تخطى إلى المحتوى

إذا أتاكم فاسقُ……

* باسل الخطيب:

في خضم الصراعات الداخلية اللبنانية، التافهة منها أو الجدية منذ سبعينيات القرن الماضي حتى تاريخه، كان الفريق المحسوب على الامريكين أو الصهاينة، و عندما كان يكيل الاتهامات للطرف الآخر، كان يستشهد بدلائل يستقيها من وسائل إعلام خليجية أو غربية، على أساس أن هذه الدلائل هي معلومات موثقة أتت بعد بحث و استقصاء كثيفين، و نتيجة معلومات شديدة السرية من مصادر مخابراتية موثوقة….. المفارقة المضحكة فيما سبق أن كل تلك الدلائل أعلاه، لم تكن إلا مقالات صحفية كان يرسلها أعضاء ذلك الفريق الموالي لأمريكا في لبنان، بعد أن يمليها عليهم مشغلوهم، لتُنشر في وسائل الإعلام المذكورة على شكل مقالات بأسماء أخرى، تُنسب إلى صحفيين شهيرين جداً و استقصائيين كثيراً…..
أنا لا أعرف عميد كلية الآداب في حمص، ذاك الدكتور الذي أُثير حوله الكثير من اللغط بسبب أحد الأفلام التي تم عرضها….
من حيث الشكل، الفيلم لا يثبت أو يؤكد شيء، لا يبان من الفيلم أنه في حرم جامعي، لا يبان منه أنه في جامعة البعث، لا يبان منه أنه في حمص، و لا يبان منه أنه في سوريا….
أنا هنا لا أدافع عن شخص بعينه، و لا يُقاس احترامي للأشخاص بالشهادة أو المنصب أو الحساب البنكي، أنا أدافع عن سمعة مؤسسة التعليم العالي السورية، أنا أدافع عن سمعة بلدي….
قولاً واحداً العملية ليست بريئة، قولاً واحدة العملية و إن ظهرت أنها تستهدف شخصاً بعينه، و لكنها تحمل أبعاد أبشع و أخطر، من يريد أن يشير إلى خطأ ما، و من يريد أن يصلح أمراً ما، و لديه الدليل على ذلك، إن افترضنا أن ذاك الفيلم هو دليل، لا يفضح الأمر على العلن، إنما يذهب بدليله إلى الجهات المختصة في الجامعة د، و أنا اكيد أن كل صاحب حق سينال حقه، و كل مخطئ سينال عقابه…
فتشوا عن قناة أورينت، تلك القناة ما انفكت تبث سمومها الطائفية و العنصرية منذ أكثر من عقد، هناك ذاك الفاسق الذي نبحث عنه، تسريب الفيلم له نقطة بداية، نقطة البداية هي قناة أورينت، و صارت بقية الصفحات سواء الوطنية أو غير الوطنية تتناقله نسخاً و لصقاً دون التأكد، كالهمج الرعاع، أتباع كل ناعق، عتبي أو بالأحرى غضبي – لأنهم لا يستاهلون العتب- على تلك الصفحات التي تدعي أنها وطنية،و تعمل من داخل سوريا، و الكثير منها يسبب الإحباط و الاكتئاب و وهن العزيمة، و تسويق الآمال الزائفة، و تسويق ثقافة التفاهة و السخافة و السفاهة، بشكل يضير كثيراً نسيج المجتمع السوري، و يحطم ماتبقى من عقل و منظومة أخلاقية لدى السوريين….
تراهم كالقطيع ينقادون وراء ذاك الخبر أو ذاك، أو يعلقون على الاخبار بطريقة سخيفة مبتذلة، يسوقون الخواء و الفراغ، و لا هم لهم إلا جمع الإعجابات و التعليقات و المشاركات، حتى لو خربت مالطة…..
أنا على ثقة أن أحد ما هنا قد قام بتركيب ذاك الفيلم و إرساله إلى أورينت أو أحد المحطات المعادية لنا، و هم من قاموا بنشره، ليتولى بعد ذلك الهمج الرعاع مسألة انتشاره، كما كان يفعل أولئك اللبنانيين الذين تحدثنا عنهم أعلاه….
و بالعودة إلى تلك الصفحات أعلاه و قصدي ( الوطنية) منها، هؤلاء من يجب أن يُحاسبوا وفق قانون الجرائم الإلكترونية، عندما يبثون أخباراً تضليلية، عندما يسوقون ثقافة التفاهة، عندما لايتدبرون أي خبر يتناقلونه، هؤلاء من يجب أن يُحاسبوا بتهمة وهن العزيمة، سواء كانوا يدرون أو لا يدرون، لأنه إن قام أحدهم بانشاء صفحة عامة فعليه أن يكون على قدر المسؤولية، و أن يتحمل العاقبة…..
لقد عملت مدرساً في جامعة طرطوس لأكثر من عشر سنوات، و من يبحث عن الكمال لن يجده في أي مكان، لا أقول أنه لا توجد أخطاء، و عندما تعمل ستخطئ أحياناً، و في الجامعة التي درست فيها و الكلية التي درست فيها، كان الكادر الإداري و التعليمي على قدر كبير من الكفاءة و الحرفية و المهنية و المسؤولية والرفعة الأخلاقية، و كل حديث عن ظلم هنا أو هناك ليس كما يُصور، و أغلب ما يقال بنسبته العظمى الساحقة هو ليس إلا حججاً واهية من هذا أو تلك أو هذه لتبرير التقصير….
نعم، نحن شعوب ما انفكت تخترع الشماعات لتبرير تقصيرها، نحن شعوب ما انفكت تهرب من مسؤولياتها، مرة تكون الشماعة القضاء و القدر، و مرة تكون الدولة، و مرة أخرى أستاذ المدرسة، و مرة أخرى دكتور الجامعة، و مرة أخرى جارنا، و مرة أخرى الظروف…… أما نحن فسبحان الذي خلقنا، مجموعة من الملائكة سقطت سهواً على الأرض….
يولد الطفل و بعد سنتين يتعلم الكلام، و الطفل الذي يولد و لديه مشاكل في السمع لن يستطيع الكلام لاحقاً، هذا له دلالاته، أن الطبيعة تعلمنا أن علينا أن نتقن أولاً ثقافة الاستماع حتى نستطيع أن نتقن ثقافة الكلام….
لطالما انتقدنا و قصدنا الإصلاح،انتقدنا ودافعنا غيرتنا و حبنا لبلدنا و كانت بوصلتنا:
بلادي و إن جارت علي عزيزة…..
و أهلي إن ضنوا عليي كرام….
ننتقد بكرامة دون أن تستبيح الكرامات، و لن نرضى من أي كان أن يستبيح كرامة أو يهين أي مؤسسة من مؤسسات هذه الدولة….
نعم، لهم عملهم و لهم أخطائهم أحياناً، و خطاياهم حيناً….
و لنا غيرتنا و قلمنا، وبقايا امل وعناد سنظل بهم نتمسك….

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات