ذاك لم يكن فوزاً في تحدي القراءة….
ذاك كان انتصاراً في تحدي الحياة….
لم أؤمن يوماً بالصدف، ولن أومن، ليس صدفة أن اسم تلك الجميلة شام، وأنها من حلب، أن يجتمع في ذاك الكيان الصغير جناحا سوريا، فحتماً ستكون الحدود أبعد من السماء إياها…
لكن خلف هذه الحكاية حكاية، حكاية صبر و جلد و دموع و أمل و تحدي و عمل و إيمان…
إن كان هناك من يستحق هذه الجائزة حقاً فهو تلك السيدة الفاضلة أم شام…
قالوا : أن اليد الواحدة لا تصفق، و لكن من الذي قال أن الأيادي خُلقت للتصفيق؟ هذا مثل صاغه أصحاب المنابر و روج له كل متملق….
اليد الواحدة لا تصفق، نعم، لكنها تصافح، تحضن، تعانق، تواسي، تحنو، تعلم….
سبق و كتبت مقالاً عنوانه ( هذه بضاعتتا رُدت إلينا)، قلت فيه أن سبب كل هذه الفوضى التي نحن فيها، هو أن الأسرة و المدرسة قد تخلوا عن مسؤوليتهم الأساسية، ألا و هي التربية….
تسيطر على حياتنا ( ثقافة التشخلع)، تلك الثقافة التي تم تصديرها لنا عبر مجارير العولمة، و التي يتم الترويج لها على أنها قدر حتمي لا مناص منه، و انقاد لها أغلبنا عن وعي أو عن لا وعي….
عندما شاهدت أم شام، لم أتذكر إلا أمهات ذاك الزمن الجميل، تلك البساطة في الشكل و اللباس و المحيا و الكلمات…
من الخطأ أن نصف الام أنها أم عظيمة، ففي اللغة لا يجوز تعريف المعرف، يكفي أن نقول أم حتى تكون عظيمة حكماً، الام هي رتبة و ليست نتيجة حتمية لعملية فيزيولوجية،
الأم رتبة لا تصلها كل النساء اللواتي يحملن و يلدن، الام تضحية و اهتمام….
أم شام فقدت زوجها في تفجير إرهابي أصيبت فيه شام الرضيعة ببعض الجروح، أم شام أدارت ظهرها لفكرة أن اليد الواحدة لا تصفق، ام شام لم تجرفها أمواج ثقافة التشخلع، لم تأخذها صراعات و بهارج هذه الدنيا، أم شام تعاطت مع مهمة الأمومة على أنها رسالة مقدسة، وأنها دين في الرقبة، وجدت في ابنتها موهبة ما، فسعت إلى أذكائها، بالله عليكم كم من موهبة ضاعت، لأن الأهل كانوا في مكان آخر، فكراً و جسداً؟…..
البعض يظن أن التربية هي تأمين حاجات الأبناء من مآكل و مشرب و لباس و تعليم و ترفيه، هذه اسمها رعاية، أما التربية فشيء آخر مختلف تماماً، أن يصنع الأهل من أبنائهم أناس حقيقيين، و هذه تحتاج كما أسلفت التضحية و الاهتمام، و التضحية هنا تضحيه الوقت و الجهد و الصبر و التحمل…..
لطالما كانت عندي قناعة أن الفرد وحدده قادر على احداث التغيير، إن امتلك الإرادة القوية والنية الطيبة، ليس مطلوباً منك أن تغير العالم، يكفي محيطك الصغير القريب….
عدا عن ذلك نحن سوريون، نمتلك جينياً ملكات الابداع والتفوق…
شكراً لك سيدة أم شام، إنك و بعض ممن هن مثلك، النموذج الرائع للأم السورية، ذاك النموذج الذي قدمته ألاف امهات الشهداء، اللواتي كن وهن يوارين فلذات أكبادهن التراب، يصحن فداك سوريا، ومنهن أمي، التي سمعتها تقولها، اقتباساً وليس تأويلاً…
ننحني إجلالاً أمامكن، الأمهات السوريات العظيمات، انكن كنتن جيش سوريا المحهول، انكن كنتن جيش سوريا الأقوى، انكن كنتن أصحاب الحق الاول في كل انتصار حققه هذا الوطن ….
أما أنت يا شام، فحتى لو كان في فوزك بعض السياسة، و حتى لو كان في فوزك بعض الاعتذار منهم كلهم لسوريا – و هذا على فكرة يكفيك فخراً- ، وحتى ولو كان في فوزك بعض المراضاة لنا، ونحن من لنا في رقبتهم ديون كثيرة، لكنك تستحقين ذلك، أنعرفين لماذا يا شام؟؟.. لأنك شام، وان خلف ذاك الفم الصغير الجميل وهو ينطق تلك الكلمات بتلك اللغة الجميلة لم تكن سبعة أعوام فحسب، بل كانت سبعة آلاف عام من العزة، تستحقين ذلك يا صغيرتي، ليس صدفة أنك على تلك الدرجة من الرقة والعذوبة والجمال والنعومة ياطفلتي، ومتى لم تكن الشام سيدة الدنيا وجميلة الجميلات ؟؟!!!!…