*باسل علي الخطيب
قد يأتي يوم، ذات يوم، و يجتاح حياتك شخصُ ما أو حدثُ ما، يجعلك لا تعيد ترتيب افكارك فحسب، بل يحدث تغييراً بنيوياً في اغلب اعتقاداتك…
قد تأتي حادثة ، وتكون انت مابعدها لست كما قبلها….
مضى على توقيفي قرابة الشهر، وحتى تاريخه لم أتصالح مع فكرة أنه تم توقيفي والزج بي في السجن، بسبب بعض المنشورات والمقالات والمحاضرات…
كلما ابتعدت عن الحادثة زمنياً أكثر كلما شعرت بثقلها أكثر وأكثر….
أيعقل أن ذلك قد حصل معي أنا؟؟!!….
ترى مالذي فعلته؟….
تلك الكلمات لم تكن إلا بضعة خربشات على الرمل، اكتبها حيناً وأنزفها أحياناً….
أيعقل أن يزج بي في السجن بين عتاة المجرمين وأرزلهم بسبب بضعة كلمات؟ كلمات لم يكن خلفها أي سوء نية…..
أحقاً لاتعرفوني؟ ألا تعرفون منبتي؟ الا تعرفون ماقدمت؟ ألا تعرفون ماقدمنا؟ اتعتقدون حقاً أنني قد أقوم بما اتهمتوني به؟ أتعتقدون حقاً أنني قادر على القيام بما اتهمتوني به؟….
أنا يحصل معي هذا؟ أن يتم وضع القيود في يدي، و يتم تكبيلي و سوقي في جنزير واحد مع أسوأ المجرمين….
لطالما دفعت سابقاً ثمن قناعاتي، دفعته تعباً، وارقاً، ووحدةً، وتوحداً، ودمعاً، دفعته موقعاً و منصباً، دفعته ميزة هنا وميزات هناك، والأهم أنني دفعته غربة…. دفعته بكل الرضى، ولكن من الصعب أن تدفع ثمن قناعاتك خوفاً….
صرت اخاف كلما دُق باب بيتي، وأتذكر كيف تم احضاري من البيت على مرأى من زوجتي واولادي……أعيد وأكرر، صرت اخاف كلما دق باب بيتي….صرت أحياناً وانا اسير أتلفت حولي….
أنا خائف، نعم أنا خائف، وانا الذي لم يعرف الخوف سبيلاً إلى قلبي يوماً، أنا خائف لأن ماحصل معي لم أكن استحقه البتة….
ذاك البنيان الذي اسمه قناعاتي، والذي بنيته لبنة لبنة، فكرة فكرة، دمعة دمعة، ذاك البنيان إياه قد انكسر، بل إنه يكاد يتشظى، والطامة الكبرى أنه لايوجد بديل إلا الفراغ، وذاك الفراغ يخيفني أكثر، و هو يتسع يوماً بعد يوم….
على فكرة لم يسبق لي أن أظهرت البهجة والسرور كما فعلت هذا الشهر المنصرم، لم يسبق أن وزعت الفرح حولي كما فعلت الشهر الماضي، حتى عندما كنت أتحدث عن فترة توقيفي كنت أتحدث بشيء من النكتة، أحاول عبر تلك الابتسامات أن اغطي كل ذاك القهر، كل ذلك الالم، كل ذاك الوجع، بقية من حطام ماعاد همه كل تلك الأهداف الكبيرة السخيفة، ماعاد همه إلا أن يجد الأمان……
أشعر بالبرد، مالي صرت أشعر بالبرد أكثر واكثر، وانا الذي عشت في روسيا سبع سنوات ومعتاد على البرد جداً؟…..
أنزف هذه الكلمات، لا لكي اسمع نصائحاً عن الصبر والتحمل، فتلك مراحل قد تخطيتها منذ زمن، وانا قددت من هذه الجبال، وعندي صبر صخورها وسنديانها، انزفها لانها صارت تثقل كاهلي، وتكاد تمزق نياط قلبي، انزفها علكم تساعدوني على حملها….
لا أعرف أن كنت أنا قد خسرت بلدي، أم أن بلدي قد خسرني، أعرف أن هناك خسارة قد وقعت، ولكن المصيبة الكبرى أنني لا اكترث لذلك أبداً، وانا الذي لم اعتد يوماً أن لا أكترث……