تخطى إلى المحتوى

تحرير الأسعار.. بين الضرورة والمجازفة

بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
غالباً ما تأتي الاعتراضات على الإجراءات والتدابير الحكومية من ناحية توقيت الصدور او التطبيق بالدرجة الأولى.. فتوقيت الحدث له قوة كبيرة في حجم التأثير السلبي أو الإيجابي.. ورغم أن الكثير من الخطوات ومشاريع القرارات تُعد صحيحة وسليمة من الناحية القانونية أو الإجرائية إلا أن التوقيت في معظم الأحيان يكون غير مناسب لأسباب تتعلق بالظروف العامة في البلد وما يمكن أن تسببه من أضرار قد تفوق حجم المنافع المتوقعة للقرار.. وبرغم ذلك تبقى الأمور نسبية وتقاس بموازين متعددة تبعاً للحالة العامة وللظرف الاقتصادي المتسارع او الطارئ والمتغير باستمرار.. وخير مثال على ما نتحدث عنه الآن هو قرار وزارة التجارة الداخلية بتحرير الأسعار، فالخطوة تْعد صحيحة من الناحية الاقتصادية العامة، ولكنها غير مناسبة من ناحية توقيت الصدور والتطبيق.. فكما هو معلوم سياسة تحرير الأسعار يجب ان تستند على مجموعة من القواعد والأسس أهما “الاستقرار الاقتصادي” بكل ما يحمله المصطلح من معنى.. وهذا الاستقرار غير متوفر حالياً في سورية بسبب تداعيات الحرب والعقوبات والحصار وتراجع موارد الدولة…. إذا نحن امام إجراء اقتصادي حساس جدا يصل الى حدود “المجازفة” ويرفع من مستوى وحجم المخاطر على المواطن والمؤسسات بشكل عام، وهذا لا يجوز بطبيعة الحال رغم المبررات التي استندت إليها وزارة التجارة الداخلية في سياق قرارها بكونه سيسهم -برأيها- في الحفاظ على حركة انسياب السلع وتأمينها في الأسواق.. ويبدو ان الحكومة كانت أمام خيارين.. إما إبقاء الأمور على ما هي مع استمرار تراجع امدادات الأسواق من السلع والمنتجات الأساسية، أو اتخاذ قرار بفتح المجال امام المنتجين والموردين لتسعير منتجاتهم على أساس بيانات القيمة والتكاليف التي يقدمونها الى الجمارك والمالية.. وبالفعل تم تبني الخيار الثاني المتمثل بتحرير الأسعار، مع تحويل عمل الرقابة التموينية باتجاه مراقبة تداول الفواتير والتشديد على الإعلان عن الأسعار بوضوح وبموجب هذه الفواتير ..
على المستوى الشعبي تلاقي هذه الخطوة اعتراضات واسعة كونها توحي بأن التاجر بإمكانه التسعير كيفما أراد وله مطلق الحرية بذلك.. وهذا اعتقاد خاطئ “نظرياً” فالتاجر مطالب بالتسعير وفق الفواتير التي تصله من الحلقة التجارية الاعلى منه والمستندة الى بيانات التكلفة المقدمة اصولاً الى المالية والتي يتم التكليف المالي والضريبي بموجبها، ولننتبه جيداً إلى أن أي رفع جديد للأسعار على مستوى المنتجين او الموردين سيكون استناداً الى هذه البيانات حصراً والتي سيدفع بموجبها الرسوم والضرائب.. وكلما ارتفع حجم او قيمة البيان المالي او الجمركي كلما ارتفع التكليف المالي والضريبي وبالتالي اصبح الموضوع مضبوطا نوعاً ما على مستوى المنتجين والموردين خصوصاً مع بدء تطبيق مشروع الربط الالكتروني للفواتير بين الفعاليات الصناعية والتجارية وبين المالية، بينما لا يمكن التكهن بمدى التزام تجار الجملة ونصف الجملة والمفرق وهنا تكمن القضية التي يتخوف منها المستهلك..
ما الحل اذاً… الحل الإسعافي والمؤقت -برأيي- لا يزال بأيدي الرقابة التموينية.. ويجب على الوزارة تشديد الرقابة على مختلف الحلقات التجاربة والوسيطة والتركيز على حركة تداول الفواتير التي يتم من خلالها التسعير، وكلما كان الالتزام اعلى كلما كانت النتائج أفضل.. بينما سيكون الحل النهائي -كما قلت في مقالات سابقة- هو بالتعافي الاقتصادي واستعادة الدولة لمواردها الطبيعية ومحاربة الفساد وبناء المؤسسات على اسس علمية سليمة.. وحينها سيكون للأسواق قانونها الطبيعي “العرض والطلب” والمنافسة في تقديم السلعة الأفضل بالسعر الأنسب… والى حين تحقيق هذا الحلم يبقى الأمل والرجاء والدعاء بالتخفيف من حجم الآلام والمعاناة لغالبية ابناء هذا الوطن المعذب.. آمين

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات