تخطى إلى المحتوى

الاقتصاد الزراعي.. حاجة ماسة لاستنباط وابتكار منظومات عمل جديدة ومنظمات داعمة وبيئة متطورة

د. عامر خربوطلي:

الاقتصاد الزراعي هو ميدان تطبيقي يهتم بتطبيق النظرية الاقتصادية في تحسين الإنتاج وتوزيع الغذاء والمنتجات الغذائية. بدأ الاقتصاد الزراعي بوصفه فرعًا في الاقتصاد يتناول استخدام الأرض على وجه التحديد، وركز على مضاعفة غلة المحصول مع الحفاظ على نظام بيئي ذي تربة جيدة. اتسع نطاق التخصص على مدى القرن الحالي وأصبح نطاقه أكثر اتساعًا وهو يشمل في الوقت الراهن جملة من المجالات التطبيقية مع قدر كبير من التداخل مع الاقتصاد التقليدي، ويمكن الإشارة إلى أن الاقتصاد الزراعي يركز على استخدام الموارد المتاحة الزراعية لمواجهة الاحتياجات غير المحددة.
برز الاقتصاد الزراعي في أواخر القرن التاسع عشر، ووحد نظرية المنشأة مع نظرية التسويق والتنظيم، وتطور على
نطاق واسع طيلة القرن العشرين بوصفه فرعًا تجريبيًا من الاقتصاد العام. كان الاختصاص يرتبط ارتباطاً وثيقًا بالتطبيقات التجريبية للإحصاء الرياضي وقدم إسهامات مبكرة وملموسة لأساليب الاقتصاد القياسي.

انجذب الاقتصاديون الزراعيون في ستينيات القرن العشرين وبعد ذلك مع تعاقد القطاعات الزراعية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD) إلى مشاكل التنمية في البلدان الفقيرة، وانعكاسات سياسة التجارة والاقتصاد الكلي للزراعة في البلدان الغنية، بالإضافة إلى جملة من مشاكل الإنتاج، والاستهلاك والمشاكل البيئية ومشاكل الموارد .
قدم الاقتصاديون الزراعيون العديد من الإسهامات ذائعة الصيت في ميدان الاقتصاد مع نماذج مثل النموذج العنكبوتي، ونماذج تسعير انحدار المنفعة، والتقنية الجديدة ونماذج الانتشار والإنتاجية متعددة العوامل ونظرية الكفاءة والقياس، وانحدار المعاملات العشوائي. يُستشهد بالقطاع الزراعي كثيراً بوصفه خير مثال على النموذج الاقتصادي للمنافسة المثالية .

تحول ميدان الاقتصاد الزراعي في الوقت الحاضر إلى اختصاص يتسم بدرجة أكبر من التكاملية ذلك لأنه يغطي
إدارة المزارع واقتصاد الإنتاج، التمويل الريفي والمؤسسات، التسويق الزراعي والأسعار، السياسة الزراعية والتنمية، الغذاء واقتصاد التغذية، اقتصاد الموارد الطبيعية والبيئية .
و عند الحديث عن قطاع الزراعة في سورية لا بد من التأكيد بداية أن هذا القطاع يشكل مرتكز أساسي للاقتصاد السوري في جميع المراحل السابقة من القرن الماضي، وأغلب الصناعات التي نشأت بعد فترة الاستقلال اعتمدت بشكل واضح على المنتجات الزراعية واستطاعت خلق قيم مضافة جيدة مما مكنها من دخول أ غلب الاسواق العربية (كمنتجات ز راعية وغذائية ونسيجية سورية ذات علامات تجارية فارقة)
وفي مرحلة لاحقة أصبحت سورية متفوقة زراعياً وامتلكت ميزات تنافسية للعديد من السلع المنتجة. وأصبح التصدير رفداً واضحاً للقطع الأجنبي مما انعكس في حدوث فوائض جيدة في الميزان الزراعي والميزان التجاري في آن معاً.
وفي المقابل ونتيجة ازدياد فرص قطاع الخدمات والتجارة على حساب القطاعات الإنتاجية بعد عام / 2005 / حدث تراجع في العديد من المحاصيل والمنتجات الز راعية نتيجة تراجع حصيلة العمل الزراعي مقارنة بالأعمال الأخرى بفوارق كبيرة دعمتها حالات الجفاف المتكررة وارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية والميل نحو الهجرة إلى المدن الرئيسية نتيجة تراجع الخدمات في الأرياف والمناطق الزراعية على حساب المناطق المدنية.
وجاءت الأزمة عام/ 2011 / لتكرس واقعاً وعبئاً جديداً على الإنتاج الزراعي نتيجة تداعيات الأزمة اقتصادياً واجتماعياً وخدمياً وسكانياً ولأول مرة أصبحت سورية مستوردة للعديد من المنتجات سواء الاستراتيجية الصناعية أو المتعلقة بالأمن الغذائي والملاحظ أن الأزمة لم تكن المعادلة الوحيدة في هذا التراجع وتزايد مشكلات هذا القطاع بل ساهم في هذا التراجع عدم مواكبة البيئة التنظيمية والتشريعية والمالية والمصرفية والبنية التحتية لتطوير القطاع الزراعي الذي كان يسجل في مراحل سابقة أرقاماً تصاعدية جيدة وفوائض تصديرية مهمة.
ما يجب التركيز عليه هو الجزء المتعلق بالترابط الامامي للقطاع الزراعي المتمثل بحلقات التسويق الداخلي
والخارجي وحلقات التصنيع لأغلب المنتجات القابلة للتصنيع محلياً حيث أن الحاجة أصبحت ملحة لاستنباط وابتكار منظومات عمل جديدة ومنظمات داعمة وبيئة متطورة وخدمات حديثة وتشريعات محفزة وتسهيلات مالية ومصرفية وخدمات شحن ونقل وتخزين وتبريد وترويج أكثر فاعلية وتنافسية المطلوب منتج زراعي بشقيه النباتي والحيواني يتمتع بجميع المزايا التنافسية على المستوى المحلي أو التصديري وهذه المزايا ترتبط دوماً بثلاثة دعائم:
-الأسعار المنافسة.
-النوعية والمواصفات الجيدة.
-بيئة الأعمال المحفزة.
وهذا لا يمنع أبداً أن يتم استيراد المواد الأولية وإعادة تصنيعها في سورية لاستمرار الميزة النسبية للمواد الزراعية والغذائية التي اشتهرت بها سورية عبر التاريخ لتصبح عبارة (صنع في سورية) ماركة عالمية غذائية وزراعية.

من المهم تحليل المشكلات والتحديات لهذا القطاع لوضع مصفوفة نتفيذية للفرص المتاحة وبدائل السياسات
المقترحة وبرامج العمل المتوقعة في ضوء اهداف التطوير المحددة،و ستكون في هذه الحالة فرصة غير
مسبوقة للقطاع الزراعي السوري ليصبح في طليعة الاقتصادات الزراعية العربية وداعماً كبيراً لحركة الاقتصاد السوري نحو الانتعاش وتحقيق اقصى عائدية ممكنة وأعلى درجات النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي في المرحلة المقبلة لنصل فيها إلى مصاف الدول المتطورة زراعياً وصناعياً وتجارياً كون هذه الحلقة أساس الانطلاقة الجديدة للاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأزمة.

 

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات