من المؤكد أنه قد نجم عن الكارثة الزلزالية الأخيرة التي حلّت ببلدنا، خراب الكثير من المساكن والمنشآت في ثلاث محافظات، ما تسبّب بحاجة جميع الذين تهدمت أو تصدّعت مساكنهم ومنشآتهم، لدعم إيوائي ومعيشي سريعين بشكل أولي، ووجوب أن يتمّ ذلك بالتوازي مع الإعداد السريع لاستثمار دعم لاحق يؤسّس لتأمين كلفة بناء المساكن اللازمة لمن تهدّمت مساكنهم أو لحق بها تصدع يستوجب الهدم، إضافة إلى كلفة كبيرة لتأهيل المساكن القابلة للترميم.
ومن المستوجب أن تكون المنشآت المتضررة منظورة أيضاً في قائمة الدعم، إذ من المؤكد أن الكثير من مراكز الإيواء الحالية لها استخداماتها العامة المعهودة التي لا غنى عنها، وليس باستطاعة الكثير من المواطنين تحمّل استضافة من استقبلوهم في بيوتهم لزمن طويل، ودور المساكن النقالة المؤقتة مقروء من اسمها، ما يستوجب الإعداد السريع لتنفيذ البناء السكني والمنشآتي البديل الثابت والدائم.
وفي هذا السياق، حبذا ألا يغرب عن بال الجميع، وخاصة الجهات الداعمة والجهات المعنية، الإعداد للاستثمار الأمثل للدعم القادم (بنوعيه النقدي والعيني)، إذ أن حاجة الدعم المعيشية والسكنية والمنشآتية يجب ألا تكون محصورة كلياً بمئات آلاف محتاجيها الجدد نتيجة تضررهم من الزلزال، بل يجب أن تشمل مئات آلاف أخرى من الأسر والمنشآت العامة والخاصة، المحتاجة لهذا الدعم نتيجة تضررها الكبير القديم والمتتالي من العدوان الإرهابي والأجنبي الذي يشهده بلدنا منذ اثني عشر عاماً ولا يزال مستمراً، وأيضاً حاجة الكثير من الأسر التي تضرّرت اقتصادياً نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار المواد جميعها، وندرة توفر بعضها الآخر، بما في ذلك مادة البصل (إذ من المعروف تاريخياً أن رغيف الخبز مع بصلة هي وجبة الفقير المعدم)،
وأيضاً هذا الدعم هو حاجة مئات آلاف العاملين الذين دخلهم الشهري (وتحديداً نسبة كبيرة من العاملين في الإدارات العامة)، لا يغطي نفقاتهم لأيام قليلة من الشهر، فنفقاتهم الشخصية للسفر والاتصالات تستهلك قسماً كبيراً من دخلهم، وأيضاً حاجة مئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون مرحلة التعليم الجامعي التي ترتفع تكاليفه تدريجياً، إذ أن الكلفة الشهرية لأغلب الطلبة الجامعيين –لكل طالب- تساوي وقد تزيد عن راتبه الشهري الوظيفي مستقبلاً، وأيضاً يحتاج هذا الدعم مئات آلاف الشباب الداخلين إلى سنّ الزواج سنوياً لحاجتهم الماسة لمساكن تخصّهم في الحياة الزوجية المقبلين عليها، لأن الغلاء الكبير لكلفة البناء لا يمكِّن أسرهم من تأسيس المسكن اللازم لهم، ودخلهم اللاحق -حال تأمين عمل لهم- لا يمكّنهم من تجهيز مسكن تحضيراً للزواج، نظراً لانخفاض الراتب، عدا عن أنه لا يخفى على أحد أن جميع المواطنين السوريين يحتاجون الدعم الذي يؤمّن لهم توفير الطاقة الكهربائية المحرومين منها منذ سنوات، إذ من غير المعقول استمرار التقنين بتوفير الكهرباء لساعات قليلة طيلة النهار والليل (أربع ساعات في اليوم)، وأحياناً كثيرة تنقص إلى ساعتين نتيجة اقتصار ساعة التوفير إلى ربع أو نصف ساعة، ولا يخفى على أحد التضرر الكبير الذي لحق بالكثير من المنتجين الزراعيين والصناعيين بسبب الغلاء الكبير في مستلزمات الإنتاج، وندرة توفرها.
الشكر الجزيل والكبير لجميع من قدموا مساعداتهم السريعة للمنكوبين، من المواطنين السوريين الأيسر حالاً، أو من مواطني وحكومات الدول الشقيقة والصديقة، والأمل بالمزيد المتتابع منها، بغية التأسيس للنهوض بالوضع الاقتصادي المتردي لأغلب المواطنين السوريين، والتأسيس لتمكينهم من الاستغناء عن الدعم المنشود، وحبذا ألاَّ يغيب عن بال أولي الأمر أن الكثير من المحتاجين للدعم كانوا في طليعة من قدموا ما تيسّر عندهم لدعم المتضررين من الزلزال.
*عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية