ما يحصل اليوم من فوضى في الأسواق ومن فلتان غير مسبوق للأسعار يجعلنا نضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول جدوى الإجراءات والقرارات الحكومية التي قِيل أنها ستسهم في لجم التضخم ووقف الارتفاع في اسعار السلع والمنتجات بمختلف انواعها، ولكنها للأسف لم تُغير شيئاً على أرض الواقع، بل على العكس يزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم.. فرغم الاستقرار النسبي “ولو على ارتفاع” لسعر صرف الليرة إلا أن منعكسات هذا الاستقرار على ارض الواقع شبه معدومة والأسعار مستمرة في الارتفاع ولم تستقر مع استقرار سعر الصرف كما يفرضه المنطق الاقتصادي.. فأين الخلل؟؟.. هل الموضوع يتعلق بجوهر القرارات الاقتصادية والسياسة النقدية والمصرفية نفسها أم في الآلية المتبعة في تطبيق هذه السياسة على الواقع العام الاقتصادي.. أم في التسعير والمتابعة والمراقبة… أم ماذا؟؟
اعتقد أن المشكلة ليست مستعصية الحل وليست معقدة كثيراً.. فطالما استطاعت السياسة النقدية الجديدة الحفاظ على استقرار سعر الصرف فهذا بحد ذاته إنجاز -إن صح التعبير- مقارنة بالظروف العامة في البلد بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب والحصار والعقوبات.. ولكن هذا العمل يحتاج الى المتابعة والاستكمال باتخاذ مجموعة من الخطوات والقرارات الجديدة ومن بينها إعادة النظر في طريقة حساب قيمة التكاليف الحقيقية للسلع والمنتجات وتخفيض قيمة الرسوم الجمركية للمستوردات والصادرات والضرائب، مروراً بمعالجة ملف التكاليف الأخرى “المسكوت عنها” ومن بينها الأتاوات والمضايقات المفروضة على بعض المنتجين والمصادرات غير القانونية…، وصولاً إلى الحلقة الأخيرة في الأسواق والتي تبدأ مع التسعير العادل والمنطقي لجميع السلع والمنتجات مع هامش ربح معقول، يتبعها تطبيق رقابة شاملة وغير انتقائية ومحاسبة عادلة وعقوبات صارمة ورادعة للمخالفين تتناسب مع حجم المخالفة وخطورتها..
اعتقد أن تطبيق ما سبق ليس من المعجزات.. لكنه يحتاج الى النوايا الطيبة والإرادة الصادقة.. والأهم يحتاج الى الجرأة في اتخاذ القرارات اللازمة والتي قد تكون بعضها قرارات صعبة وتواجه ممانعة من أصحاب المصالح الضيقة من داخل المؤسسات العامة ومن خارجها بسبب تعارض هذه القرارات مع مصالحهم الفردية الخاصة.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن اتخاذ بعض القرارات الإجراءات قد يحتاج الى الجرأة في طلب الرعاية والدعم والمساندة من أعلى الجهات والمستويات ولا اعتقد أن أحداً سيمانع في الاستجابة وفي تقديم الدعم والمؤازرة.
أنه استحقاق اقتصادي وطني بامتياز ينتظره الشعب السوري الذي قاوم وصمد وعانى وضحى بأغلى ما يملك وانتصر في النهاية.. وهو الآن يترقب استكمال هذا الانتصار بتحقيق إنجاز اقتصادي يخفف من وطأة المعاناة من الحالة المعيشية القاسية والبدء بمرحلة التعافي بأسرع وقت.. وهذا ما نأمله وهذا ما نلمسه ايضا من خلال المعطيات والأجواء السياسية الجديدة التي ستنعكس إيجاباً بكل الخير على سورية بإذن الله..
بانوراما سورية