يتوسم الكثير من السوريين خيراً في التعديل الوزاري الأخير وخصوصاً في حقيبة التجارة الداخلية.. هذه الوزارة الأكثر حساسية والأكثر قرباً من الاحتياجات الأساسية للمواطن..
شخصياً كنت متفائلاً جداً حين صدر مرسوم بإسناد هذه الحقيبة للوزير الأسبق عمرو سالم منذ أقل من عامين، وكنت من بين المتابعين لهذه الشخصية من خلال ما ينشره على صفحته من آراء واقتراحات ومواقف إيجابية وقريبة من هواجس المواطن السوري العادي، وكان حينها معارضاً لأداء سلفه الوزير البرازي المحسوب على شريحة كبار رجال المال والأعمال كونه رجل أعمال معروف… وفعلاً بدأ الوزير سالم عمله بإندفاع كبير ولكن غير مدروس فوقع منذ اليوم الأول بخطأ قانوني حينما ألغى قراراً للوزير السابق بتوطين الخبز قبل أداء القسم الدستوري، وطبعا تراجع عن القرار غير “الشرعي” … ومن بعدها بدأ مسلسل التراجع عن تنفيذ الوعود التي كان يطلقها في فترة ما قبل الوزارة والتي كانت تستحوذ على اهتمام وإعجاب نسبة كبيرة من المواطنين وربما أصحاب القرار.. واستمر التراجع في تحقيق الأهداف والآمال، وتحولت شخصيته فيما بعد لتصبح شخصية ذات إشكالية معينة تبعاً لبعض المواقف وردود الأفعال والمواجهات الإعلامية مع من ينتقدون أداءه.. واستمرت الأمور بالتراجع من سيئ الى أسوأ الى أن وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من حالة يرثى لها في الجانب المعيشي الذي تديره أو تشرف عليه الوزارة.
نظرياً الوزير يتحمل المسؤولية عن أداء وزارته.. ولكن منطقياً وفعلياً لا يتحمل لوحده كامل المسؤولية لأنه ببساطة يعمل ضمن فريق حكومي، ومن البديهي أن تخضع قراراته لمشاورات ودراسات وتقييمات من قبل هذا الفريق
سواء قبل أو بعد صدور القرارات الهامة.. ولذلك فإن النجاح أو الفشل ليس للوزير فقط بل لمجمل أعضاء الفريق وللحكومة مجتمعة.. ولا يخفى على أحد أن الوزير كان يشكل واجهة ودريئة للكثير من القرارات الحكومية “الضرورية ربما” “وغير الشعبية” التي كانت تُصاغ وتصدر بدون علاقته بها وربما بدون علمه أو معرفته بها إلا حين صدورها أو حين توقيعه عليها… وأنا هنا لا أدافع عن احد ابداً، ولكني أنقل ما أعرفه كي أوصل فكرة أن الوزير مهما كان يملك من إمكانات و رغبة وعلم و تجربة و خبرة، فهو غير قادر أن يحدث تغييراً ملموساً في الواقع إذا كان هذا الواقع معقداً كما هو الحال في بلدنا في ظل غياب المقومات الأساسية اللازمة لإحداث التغيير و التحول الإيجابي المنشود.. فالموضوع مركب وفي غاية الصعوبة أكثر مما يظن الكثيرون الذين قد لا يعجبهم هذا الرأي وهذا التوصيف.. فالإندفاع والرغبة بالعمل شيئ والتعامل مع الواقع ومع خصوصية صنع القرار والظروف والإمكانات شيئ آخر… ولكي نكون دقيقين ومنصفين أكثر يمكننا أن نضيف على ماسبق بأنه مع الإدارة الجيدة والعمل المخلص الجاد يمكن التخفيف من حدة الوجع ومن قساوة الواقع وهنا مربط الفرس وميزان التقييم النسبي وليس المطلق.
وقياساً لما سبق.. أرى بأن مهمة الوزير الجديد محسن عبد الكريم لن تكون سهلة رغم كونه ابن هذه الوزارة ورغم خبرته ورغبته في إحداث تحول إيجابي وانطلاقة حقيقية في أداء وعمل الوزارة.. وكل ذلك مرهون بتوفر الظروف الموضوعية الملائمة على مستوى العمل الحكومي وفي الأداء العام.. ويبقى الأمل والرجاء أن تتوفر هذه الظروف وأن تتغير طريقة التعاطي مع الملفات الاقتصادية والمعيشية، وأن تكون مصلحة المواطن وتأمين احتياجاته وتحسين أوضاعه على رأس أولويات اهتمامات الحكومة في المرحلة القادمة.. وإن شاء الله خير