تخطى إلى المحتوى

صوت العقل و صوت الأمعاء…

*باسل علي الخطيب

دعونا نطرح هذا السؤال، أيهما أقوى صوت العقل أم صوت الأمعاء؟…

لن يستطيع أحد أن يزايد على السوريين، أنهم لعشرات المرات خلال الأعوام الإثني عشر السابقة قد نجحوا في اجتياز اختبار الوعي…..

نعم، هذه الحرب كانت حرباً على الوعي، كانت معارك وعي بالدرجة الأولى، و قد ربحها السوريون كلها….

ولكن….

للأسف الشديد، هذه النجاحات جعلت الدولة تركن إلى قدرة السوريين على تجاوز اختبارات الوعي في كل مرة، لذا لم تقدم لهم أي مساعدات تعينهم في هذه المعركة، تراجعت شيئاً فشيئاً، حتى كادت تتخلى بالكامل عن مسؤولياتها، أو لنكون أكثر دقة، نأت بنفسها عن هذه المعركة، و تركت الشعب يخوضها لوحده….

قد تكون معركة الوعي في هذه الأيام وصلت إلى ذروتها، أكثر من 90 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، و أكثر من ثلاث أرباع هؤلاء تحت خط الخبز، و يكاد يكون نصف هؤلاء تحت خط القبر…
نعم، أصعب أنواع معارك الوعي التي تخاض هي عندما يكون الطرف الثاني فيها هي الأمعاء الخاوية….

قد تكون تجربة سوريا في حرب الوعي تجربة فريدة على مستوى العالم، أن الوعي عادة تصنعه النخب في المجتمعات، بينما كان الوعي عند السوريين حالة مجتمعية شبه جمعية، و أحد مخرجات الذات السورية المجبولة من آلاف سنين بالخبرة و التجارب، وهذا الوعي الوطني كان الفيصل في ربح كل المعارك السابقة…..

طبعاً، اريد الإشارة إلى أمر مهم، عندما تصل المعاناة إلى حدودها القصوى عند شعب ما، يصبح الكلام المنطقي فيما خص هذه المعاناة أو أسبابها غير مقبول و غير مسموع، و تتكون عند الذين يعانون رؤية ضيقة، أسميها الرؤية النفقية لا ترى الأمور (اياً كانت) إلا من خلال هذا النفق….

الذين يعانون لا يرون أبعد من أمعائهم، وهذا حقهم في لحظة ما، و لا يريدون لك أن تتحدث إن تحدثت إلا وفق كلام يعبر عن ما في داخلهم، سواء كان سخطاً أو غضباً، و لا يرون حلاً إلا من ذات النفق، حتى لو كان الحل سيقلب عليهم هذا النفق، و أي نقاش منطقي أو عقلاني معهم لن يزيد الطين إلا بلة، لاسيما ان كانت كل الحجج قد تم استهلاكها، وكل ماقبل قد قيل، وكل الشماعات تكاد تقع من كثرة ماتم تحميلها إياه…

وعليه، على مسؤولي حكومتنا أن يدركوا أن السوريين صاروا على درجة كبيرة من الهشاشة، ومعركة الوعي الكبرى هذه الذي هم في خضمها لايمتلكون عدة خوضها، هذه مسؤولية المسؤولين عن لقمة عيشهم وحياتهم، حان الوقت ليدرك هؤلاء أن الشعب قد قام بدوره مرات ومرات وعلى اكمل وجه، وبالكاد بقي عنده الرمق الأخير، وقد حان الوقت ليقوموا هم بدورهم بشكل صحيح ولو لمرة واحدة……

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات