عبد العزيز محسن:
لا ضرورة الآن للتذكير بمواعظ ومزايا شهر رمضان المبارك الذي بات على الأبواب، فالجميع يعلم جيداً هذه المزايا وهذه الفضائل على سائر الخلق.. ولكن الحاجة اليوم هي للتذكير بحجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الدولة ورجال الدين ورجال المال والمقتدرين في هذا الشهر الفضيل.. فالمطلوب منهم يتعدى بكثير ما اعتادوا على تقديمه خلال السنوات الماضية من إعانات مادية أو عينية بسيطة لنسبة محدودة جداً من الفقراء والمحتاجين.
ندرك جميعاً حجم الصعوبات وحجم المعاناة وحجم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الغالبية الساحقة من العائلات السورية.. وندرك ايضا أن الأمر يزداد صعوبة في شهر رمضان جراء الارتفاع “المنتظر” في أسعار معظم المواد والسلع وبلا شفقة ولا رحمة بخلاف المنطق والعقل والأخلاق والقانون… ورغم أن الحكومة ستطلب في وقت لاحق من وزارة التجارة وحماية المستهلك – كما جرت العادة-تكثيف مراقبة الأسواق والتشدد في قمع المخالفات التموينية وإنزال أشد العقوبات بالمخالفين، وطبعاً ستعمم الوزارة بدورها على مديرياتها في المحافظات للتقيد بمضمون “توجيه وطلب الحكومة”… إلا أن كل ذلك لن يغير شيء على أرض الواقع للأسف، وبالتالي لا يمكن التعويل على موضوع تخفيض الأسعار..
وإزاء هذا الواقع.. هل يمكن فعل شيء بديل يمكن أن يخفف من حجم المعاناة؟؟ لنعترف اولاً بعدم وجود حلول سحرية أو جذرية سريعة في ظل الوضع الراهن.. ولكن هذا لا يعني عدم وجود حلول يمكن أن تخفف الى حد كبير من حجم المعاناة لشريحة كبيرة من الفقراء والمحتاجين.. والأمر يتعلق بتطوير آليات تطبيق التكافل الاجتماعي وتنظيمه وتوسيع حجمه وتوجيهه نحو الأسر الأشد فقراً وليس عبر الوصول العشوائي وسوء التوزيع والمحسوبيات وما يرافق ذلك من حالات فساد وسرقة نتيجة سوء التنظيم وانعدام الرقابة على عمل الكثير من الجمعيات التي تحول بعضها الى جامع أموال وإعانات ومتاجرة باسم الدين والفقراء..
وما يدعو إلى الأمل والتفاؤل أن هذا الموضوع أصبح باهتمام السيدة أسماء الأسد التي اجتمعت منذ يومين بالقائمين على مجموعة من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الأهلية الخيرية والإنسانية.. حيث ركزت على ضرورة التنسيق بين هذه الجهات بما يضمن تحقيق تكامل بالنتائج والوصول إلى أوسع فئة من المحتاجين، وبالتالي العدالة في الانتشار والتوزيع جغرافياً للمناطق الأفقر، ومجتمعياً للفئات الأكثر احتياجاً… وبالتأكيد هذا الأمر في غاية الأهمية للخروج من “المناطقية” في التكافل الاجتماعي الى مستوى كامل الوطن.. وهذا المنطق بحد ذاته يشكل فكرة جيدة يمكن العمل على تطويرها وقوننتها لاحقاً لتكون أساساً ومنطلقاً لتشكيل منظومة تكافل اجتماعي موحدة على مستوى المحافظات السورية كافة.. وتعمل وفق نظام مؤتمت مدروس يلحظ العائلات الفقيرة والمحتاجة ويقدم الدعم اللازم لها من خلال صندوق خيري يتم تمويله من الحكومة أولاً ومن أصحاب الفعاليات الاقتصادية ومن أصحاب الأيادي البيضاء والمقتدرين..
بالتأكيد هي فكرة جيدة قابلة للتطوير والتطبيق، وهناك الكثير من الأفكار والأعمال المشابهة كحملات وزارة الأوقاف وجهود وزارة التجارة الداخلية وغرف التجارة والصناعة في إقامة مهرجانات وأسواق ذات منحى خيري وبأسعار مخفضة نسبياً، يضاف إليها حملة وزارة الشؤون الاجتماعية هذا العام “رمضان.. تشارك في الخير”.. وهي جهود تشكل بمجملها أعمال محلية متناثرة تفتقد إلى التنسيق والتكامل والانتشار والتوسع الأفقي ولا يمكن تصنيفها بحملات وطنية فعالة ذات تأثير كبير.. وبالتالي لا بد من العمل لدمجها وتطويرها وتوسيع نطاق عملها للوصول الى أكبر عدد ممكن من العائلات الأشد فقراً جغرافياً ومكانياً وبعيداً عن أية خصوصيات محلية أو حسابات او اعتبارات اخرى.. وحينها يمكن تحقيق الحد الأدنى من التكافل الاجتماعي الحقيقي..
رمضان كريم.. وكل عام وانتم بألف خير
بانوراما سورية