عبد العزيز محسن:
الآن، وبعد صدور نتائج انتخابات مجلس الشعب بدا واضحاً أن شريحة كبار رجال الأعمال قالت كلمتها وأعادت فرض واقعاً جديداً في طريقة الوصول إلى مقاعد البرلمان من خلال أصوات الناخبين ضمن اللعبة الديمقراطية والانتخابية الحالية.. نعم كسبوا أصوات أغلبية المقترعين والمستئنسين بغض النظر عن طريقة ووسيلة الإقناع ففي النهاية لن يستطيع المرشح إجبار أحد على التصويت له إلا عبر الإقناع سواء بالعاطفة أو القناعة أو الترغيب بالمال وغير ذلك.. ورغم تعدد الآراء والملاحظات حول ما حدث إلا أني شخصياً غير متفاجئ وأرى الأمر طبيعياً ضمن خصوصيات مجتمعنا ويتماشى مع الظروف المعقدة والمركبة والاستثنائية التي أوجدتها سنوات الحرب وانعكاساتها على المستوى الشخصي والاجتماعي والسلوكيات الجديدة في مجتمعنا… ولست هنا في وارد تقييم ما حدث.. ولن أتبنى وجهات نظر معينة ينسف أصحابها كل ما جرى في الانتخابات ولكني أقول: نعم هذا نحن وهذا هو مجتمعنا.. فنحن عاطفيون إلى أقصى درجة، وماديون إلى أقصى درجة، واقصائيون إلى أقصى درجة، وبنفس الوقت وطنيون وإنسانيون وغيورون وطيبون وغير ذلك من التناقضات العجيبة في شخصيتنا… ولذلك أرى النتائج كما هي طبيعية وتشبهنا إلى حد كبير.. وبالتأكيد كان هناك ظلم كبير.. فهناك أشخاص أكفاء لهم شعبية كبيرة ترشحوا وكان من المفترض ان ينجحوا ولكن لم ينجحوا… وهناك من نجحوا في المراتب الأولى في الاستئناس الحزبي ولكن لم يتم اختيارهم ضمن قائمة الوحدة الوطنية لاعتبارات تمثيلية وفق -وجهة نظر الحزب- وهذا برأيي ظلم كبير ومخالف للأصول الانتخابية الحقيقية.. فمثلا بأي منطق يتم اختيار رقم فائز بمرتبة متأخرة بدلاً من شخص فائز بمرتبة متقدمة طالما هناك انتخابات.. ولماذا لم يُحترم رأي من أدلى برأيه وكانت النتائج هكذا.. ألا يجب أن توضع قواعد أكثر دقة وموضوعية.. وهذا طبعا أحد الأمثلة عن التناقضات التي تحدثت عنها..
الاعتراضات والملاحظات كثيرة ومعظمها محقة ولسنا في وارد تبني أية مواقف فالأمور واضحة بشكل عام والخسارة وقعت على المستوى الشخصي، وقد يكون لها أثار تتعلق بالثقة.. الثقة بالأشخاص والثقة بالمؤسسات وبالقوانين… ولكن ضمنياً الجميع بات يفهم اللعبة جيداً.. وأصبح الاقتناع بالأمر الواقع كالاقتناع بالقضاء والقدر.. ولسان حال من ربح ومن خسر يقول “هيك البلد ماشية…”
انطوت مرحلة الانتخابات وأصبحت من الماضي.. ويبدو لي من خلال استعراض قائمة الفائزين أن غالبيتهم من الأسماء الجديدة أو المتجددة، وبينهم الكثير من أصحاب الخبرة والكفاءة العالية وهم مزيج من أصحاب الشهادات العليا الأكاديمية وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والإعلاميين ورجال الأعمال وباقي الشرائح، وبالتأكيد يعلم الأعضاء الجدد أن المسؤولية الملقاة على عاتقهم ليست سهلة وسيكون أدائهم تحت قبة المجلس هو امتحان جديد لمدى جدارتهم وأحقيتهم عن غيرهم في تبوء هذه المكانة..







