تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يشارك في الاحتفال الديني بذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الوزارة في سورية.. الرئيس الأسد يهنئ الرئيس تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً برفع نسبة تعيين الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية في الجهات ال... روسيا تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الذي ينتهك السيادة السورية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية لغرف التجارة وغرف التجارة والصن... الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية.. وبحثٌ لدور كتلة الحزب داخل مجلس الشعب اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي تقرر قبول الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بفروعها كافة في الجامعات... الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: مجلسكم هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم... بحضور عرنوس وعدد من الوزراء.. ورشة عمل حوارية حول التغيرات المناخية وسبل مواجهتها

ما الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة في سورية.. والحلول الممكنة؟ … أي اقتصاد يمكن أن يتحمل زيادة في أسعار المحروقات والطاقة… بنسبة تجاوزت 600 بالمئة خلال فترة قصيرة؟

*د. جولیان بدور

في 31 أيار 2024 أقامت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ورشة عمل حوارية في هيئة الاستثمار السورية تحت عنوان «السياسات الاقتصادية الراهنة.. الواقع والتحديات والآفاق المستقبلية» شارك فيها عدد من الوزراء والمعنيين بالشأن السياسي والاقتصادي والإعلامي وخبراء اقتصاديون وباحثون وأكاديميون وممثلون عن قطاع الأعمال.

المشاركون بالجلسة اتفقوا على أن المشهد الاقتصادي في سورية ينطوي على جملة من التعقيدات والمشكلات المتراكمة وأنه من غير الطبيعي ومن غير المنطقي أن نستمر بالرؤى والسياسات نفسها التي أنتجت هذه التعقيدات والمشكلات، وما لفت انتباهنا في هذه الجلسة القيمة والمهمة هو عدم تطرق أي من المشاركين بالحوار إلى موضوع الليبرالية الجديدة المتسترة تحت اسم اقتصاد السوق الاجتماعي ودورها في الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحالية.

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الدور السلبي والرئيس الذي لعبته الليبرالية الجديدة في الأزمة الحالية في بلدنا وضرورة التخلي عن هذا النهج الاقتصادي المدمر والخطر على اقتصاد البلاد.
في القسم الأول سنقوم بتشخيص دقيق للواقع الاقتصادي والمشكلات والأزمات في سورية وشرح معانيها ومدلولاتها (تشخيص الأعراض)، وفي القسم الثاني سنشرح ونبرهن بأن الليبرالية الجديدة المخفية وغير المعلنة هي المسؤول الرئيس عن الأزمة الاقتصادية والمعيشية في بلدنا، (الكشف عن المرض الحقيقي)، وفي القسم الأخير سنتطرق إلى السياسات الواجب التخلي عنها والحلول الواجب اتباعها (الكشف عن العلاج).

تشخيص وتوصيف دقيق للواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي في سورية

أي مقاربة علمية جادة تهدف لتغيير النهج الاقتصادي النيوليبرالي المتبع حالياً في بلادنا واختيار بديل منه تستدعي أولاً وقبل كل شيء تشخيص وتوصيف دقيق لطبيعة الأزمات والمشكلات الحالية في سورية وشرح معانيها ومدلولاتها.
أ- بعض المؤشرات والبيانات عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي المأساوي في سورية أكثر من 60 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى، ونحو 20 بالمئة تحت خط الفقر الأعلى، و 12-14 بالمئة من ذوي الدخل الكافي، و 6-8 فقط من الأغنياء (عابد فضلية، الوطن 24/10 /2023).
جميع موظفي القطاع العام يعيشون تحت خط الفقر المدقع. (عقبى الرضا الوطن 24/10/2023). انتشار ظاهرة التسرب الوظيفي وبنسب مرتفعة للكوادر المتخصصة والمؤهلة من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو إلى خارج القطر. (ذكوان قريط الوطن في 2024 ).
تعاني سورية نزيفاً خطيراً وشديداً للعقول والكوادر واليد العاملة ومن مختلف الأعمار، في عام 2022 هاجر من سورية (734,304)، وازداد العدد عام 2023 إلى
( 757,103). (البنك الدولي 2024).
كل شيء أصبح محرراً ومن دون سقف في البلد باستثناء الرواتب والأجور. (عقبى الرضا الوطن ١٠/٠٣/2024).
ازدياد مهم في هجرة رؤوس الأموال السورية ورجال الأعمال في بداية هذا العام إلى الدول العربية وخاصة دبي ومصر. (الوطن حسن حزوري ٠٧/٠٧/2024).
يبلغ متوسط دخل الفرد في سورية 420.6 دولاراً سنوياً في عام 2021 (صندوق النقد الدولي 2024).
سورية تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث معدل التضخم. (شفيق عربش، الوطن).
المجتمع السوري يتجه نحو الشيخوخة والعنوسة بسبب موجات الهجرة الكبيرة لشريحة واسعة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٦ و ٣٦ عاماً وسوء التغذية وانخفاض الرعاية الصحية وتراجع معدلات المواليد وازدياد معدلات الوفيات، ارتفعت نسبة النساء إلى الرجال إلى أكثر من ثلثين. (شفيق عربش، شام رغم الجراح حزيران 2024).
أسعار حوامل الطاقة في سورية أعلى بكثير من الدول المجاورة، والقطاعات الإنتاجية الرئيسة تعيش على التنفس الصناعي. (شفيق عربش، الوطن ١٢/٠٥/٢٠٢٤).

آليات الدعم زادت الفقراء فقراً وفتحت الأبواب واسعة لانتشار الفساد في البلاد. (الوطن، ١٢/٠٥/2024).

خلال ستة أشهر ارتفعت أسعار البنزين بنسبة 600 بالمئة. (شفيق عربش، الوطن، ١٢/٠٥/2024).
لا يوجد علاقة تربط بين تطور مستوى سعر ليتر البنزين في سورية والسعر العالمي. (عابد فضلية، الوطن٢٨/٠٢/2024).
تضاعفت أسعار الكهرباء والفوسفات أكثر من ثلاث مرات في الفترة الأخيرة، ما ساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي وتفاقم التضخم.

سجل سوق دمشق المالي أعلى معدل نمو للأرباح في الشرق الأوسط خلال الثلث الأخير من عام ٢٠٢٣.
الاقتصاد السوري قائم على الاحتكار والمنافسة غائبة فيه. (إبراهيم العدي الوطن 03/06/2024).
انخفاض عدد أعضاء هيئة التدريس في جامعة دمشق من 3500 إلى 1400، وفي بعض الكليات انخفض هذا العدد من 200 إلى 28. (رئيس جامعة دمشق محمد أسامة الجبان الوطن 24/04/2016).
ب- ماذا تعني هذه الأرقام والمعلومات وعن أي منطق اقتصادي تعبر ؟
فظاعة وهول هذه الأرقام تشير قبل كل شيء إلى فشل النهج الاقتصادي المتبع بالبلاد والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المنبثقة عنه، ما يدفعنا إلى طرح عدد من الأسئلة عن طبيعة هذه السياسات وأهدافها ونتائجها ومخرجاتها:
هل النهج الاقتصادي المتبع حالياً في سورية في خدمة الأغلبية العظمى من السكان أم في خدمة مصالح فئة قليلة منهم؟ بمتوسط دخل يعادل 420 دولاراً بالسنة، أين موقع سورية حالياً في قائمة الدول الأكثر فقراً؟ وهل بالإمكان الانزلاق إلى الأسفل أكثر من ذلك؟ ماذا نأمل من نهج اقتصادي يسهم في إفراغ البلاد من أهم وأغلى ثروة تملكها الدول، «أي رأس المال البشري» ويدفع بالبلاد إلى حافة الشيخوخة والعنوسة؟

أي اقتصاد بالعالم يمكنه العمل بشكل كفء وفعال مع قطاع عام يعاني فيه الموظفون الفقر المدقع؟ هل من الطبيعي أن تحقق بورصة دمشق أعلى معدل نمو للأرباح في المنطقة في بلد يعاني 90 بالمئة من شعبه الفقر المدقع.
أي اقتصاد بالعالم يمكن أن يمتص ويتحمل زيادة في أسعار المحروقات والطاقة تجاوزت ٦٠٠ بالمئة خلال فترة قصيرة ؟ ألم يحن الوقت للتخلي عن نموذج اقتصادي يخدم مصالح الدول العربية والأوروبية المناوئة لبلدنا أكثر مما يخدم مصالح بلدنا وشعبنا، (لكون مئات الآلاف من الأطباء والمهندسين والمعلمين ورجال الأعمال والشباب والصبايا السوريين الذين كلفوا خزينة الدولة عشرات المليارات من الدولارات يهاجرون من سورية للعيش والاستقرار في هذه الدول)؟
هل من المقبول أن تصبح العناية الصحية مقسمة إلى ثلاث شرائح حسب دخل الأسرة بدلاً من أن تكون موحدة للجميع؟
أيّ مستقبل علمي وثقافي لبلد يقدم قروضاً مالية لطلابه بدلاً من منح دراسية مجانية لهم؟
أيّ مستقبل علمي واجتماعي واقتصادي لبلد تعاني فيه مراكز البحوث والجامعات الحكومية انخفاضاً حاداً بالموارد المالية ومن تسرب كبير وهائل لكوادره التعليمية والعلمية والإدارية لمصلحة مراكز البحوث والجامعات الخاصة أو تهاجر إلى الخارج؟
هذه الأسئلة التي تعكس الواقع الحالي تعبر عن جزء من مشهد اقتصادي واجتماعي ومعيشي مؤلم وصعب في بلدنا، والسؤال المنطقي هو ما الأسباب الكامنة وراء هذا المشهد المعقد والمظلم؟ هل هي الحرب الكونية الجائرة والعقوبات والحصار القسري على البلاد، أم النهج الاقتصادي النيوليبرالي المتبع فيه منذ عقدين من الزمن أم كلاهما في الوقت نفسه؟

السياسات الاقتصادية السابقة ومسؤولياتها عن تفاقم الوضع الحالي

بداية يمكننا القول: إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الكارثي التي تعانيه سورية حالياً يعكس تداخل وتشابك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية بغاية الخطورة، وإن كان من الصعب جداً الفصل بين العوامل الخارجية والداخلية المتشابكة والمتشعبة، إلا أنه من باب البراغماتية والعقلانية يجب الاعتراف بأن الأضرار والخسائر التي خلفتها الحرب والحصار والعقوبات القسرية على بلادنا ضخمة بل ضخمة جداً، لكن من باب الحكمة والواقعية علينا ألا ننسى أو نتجاهل ما خلفه النهج النيوليبرالي الخفي وغير المعلن من أزمات ومشاكل في البلاد منذ عقدين من الزمن.
ولإثبات وإيضاح أن الخسائر والأضرار الناجمة عن تبني وتطبيق النهج النيوليبرالي تحت اسم «اقتصاد السوق الاجتماعي» لا تقل فداحة وأثراً عما خلفته الحرب والعوامل الخارجية، سنقوم أولاً بعرض سريع لآراء بعض الاقتصاديين والخبراء ذائعي الصيت بالنيوليبرلية وتداعياتها الكارثية على الدول التي تبنتها، ومن ثم سنقوم ثانياً بإجراء مقارنة بين المشكلات والأزمات التي يعانيه بلدنا وما أحدثته الليبرالية الجديدة بشكل عام من أزمات ومشكلات في الدول الأخرى.
أ- رأي الاقتصاديين والخبراء ذائعي الصيت في الليبرالية الجديدة وعواقبها الكارثية:
لم يثر أي موضوع اقتصادي أو سياسي هذا القدر من الجدل والنقاش بين الاقتصاديين والخبراء مثل ما أثارته مسألة الليبرالية الجديدة في الآونة الأخيرة، لهذا السبب سنكتفي هنا بسرد بعض آراء الأكثر شهرة منهم:
بالنسبة لجوزيف ستيغليتز جائزة نوبل، النيوليبرالية هي أصولية السوق التي دحضها الواقع (الأزمة المالية لعام 2008) وأن الأزمات المالية والبطالة واللامساواة والكساد الاقتصادي ستزداد سوءاً إن لم يكن هناك تدخل واسع وقوي من الدولة.
نعوم تشومسكي يرى أن النظام النيوليبرالي يقوض أسس السيادة الشعبية من خلال نقل سلطة اتخاذ القرار من الحكومات الوطنية إلى برلمان افتراضي من المستثمرين والمقرضين، ويمكن لهذا البرلمان الافتراضي أن يمارس «حق النقض» ضد المشاريع الحكومية عن طريق هروب رؤوس الأموال والهجمات على العملات.
بالنسبة إلى ميشل سانتي النيوليبرالية هي «لاهوت جديد» حيث يكون الشعار «أنا أنفق إذاً أنا موجود» بالنسبة إلى هو- جون تشانغ التبادل الحر هو أسطورة لا أساس لها من الصحة على الإطلاق.
ب- مقارنة بين التداعيات الكارثية التي خلفتها النيوليبرالية في الدول الأخرى والمشكلات والأزمات التي تواجهها سورية الآن:
جميع الخبراء سالفي الذكر يؤكدون أن الليبرالية الجديدة أنتجت تماماً عكس ما وعدت به، فبدلاً من تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ومستدامة في الدول التي تبنتها وجلب الرفاهية والرخاء لعامة الشعب، ساهمت الليبرالية الجديدة في تفشي ظاهرة الفقر والجوع والحرمان وانتشار العزلة والتشاؤم والاكتئاب وازدياد الوفيات والأمراض وعدم المساواة وتراجع متوسط العمر وانهيار النظم البيئية. ويضيف هؤلاء الخبراء والمتخصصون: إن هذه الدول أصبحت تعاني أيضاً الكساد وتركز الثروة بأيدي قلة من الأغنياء وتآكل حقوق العمال وإضعاف النقابات العمالية وزيادة العمل غير المنظم والمستقر وفقدان السيادة الوطنية وخصخصة قطاعي الصحة والتعليم وانهيار القطاعات الإنتاجية الأساسية.
الآن مقارنة بسيطة بين ما أوردناه من معلومات في الجزء الأول من هذا المقال مع ما قاله الاقتصاديون والخبراء، تقودنا إلى استنتاج سهل لا شك فيه هو أن هناك تشابهاً تاماً وكاملاً بين المشاكل والأزمات في سورية ومشكلات الدول التي تبنت الليبرالية الجديدة، هذا يؤكد أن جزءاً كبيراً مما تعانيه سورية حالياً من مشكلات وأزمات هو ناجم عن النهج الاقتصادي النيوليبرالي المطبق خلسة منذ عام 2005 تحت اسم «اقتصاد السوق الاجتماعي»، بانتظار إيجاد حل للحصار والعقوبات، من المنطقي والحكمة أن نبدأ كسوريين بما نحن قادرون على فعله ومن دون الحاجة إلى طلب الإذن من أي طرف خارجي، أي القيام باتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية للخروج من المأزق الحالي ووضع حد للمأساة الإنسانية في بلدنا.

السياسات الواجب التخلي عنها والحلول الواجب اتباعها للخروج
من الأزمة الحالية:
من وجهة نظرنا أفضل مفارقة للخروج من الأزمة الراهنة وإيجاد حلول فعالة ودائمة لها هي محاولة القيام بالإجابة عن السؤالين التاليين: ما الذي ينبغي تجنبه الآن في بلدنا ولماذا؟ وما الذي ينبغي فعله وكيف ذلك؟
1- ما الذي ينبغي تجنبه الآن في بلدنا ولماذا؟ (ضرورة التخلي عن نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي).
أولى الخطوات الواجب اتخاذها برأينا هي وضع حد للنهج والسياسات النيوليبرالية المتبعة بالبلاد منذ ما يقرب العقدين من الزمن.
في الحقيقة، عديدة هي الأسباب التي توضح لماذا ينبغي القيام بهذا الإجراء؟
أولاً، كما أشرنا أعلاه بسبب النتائج الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المأساوية التي أنتجتها الليبرالية الجديدة في بلادنا.
ثانياً: لأن وصفة الليبرالية الجديدة التي طبقت في سورية منذ عام 2005 هي الوصفة المستوردة الجامحة التي اقترحها المستشارون الأجانب من دون الأخذ في الاعتبار سمات وخصائص الاقتصاد وتقاليد بلدنا وموقعه الجيوسياسي.
ثالثاً: لأنه تم الخلط بين خطوات التحرر الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد السوق أثناء تنفيذ الإجراءات الإصلاحية على اعتبار أنهما أمران متطابقان.
رابعاً: لأن الليبرالية الجديدة لا تولي الجانبين الاجتماعي والمؤسسي والثقافي للنمو الاقتصادي أي أهمية تذكر.
وخامساً وأخيراً، لأن الوسائل التي تعتمدها كعقيدة «العلاج بالصدمة» مكلفة جداً اقتصادياً واجتماعياً ومنبوذة وغير مقبولة شعبياً، والسؤال الذي يطرح الآن هو ما الإجراءات والحلول التي ينبغي اتخاذها وكيف يمكن تسويغها؟
2- ما الذي ينبغي فعله في سورية وكيف ذلك؟
أ- ضرورة تطبيق نموذج اقتصاد الحرب:
من بين أهم الأسباب التي تسوغ اللجوء إلى تبني اقتصاد الحرب يمكن ذكر ما يلي؟
أولاً: لأن كل الدول التي دخلت في حروب كبيرة تعمد بالعادة إلى استبدال النموذج الاقتصادي المعمول به قبل الحرب (سواء كان ليبرالياً أم اشتراكياً) بنموذج ما يسمى «اقتصاد الحرب»، هذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي وكل الدول الأخرى التي شاركت بالحربين العالميتين الأولى والثانية وغيرهما من الحروب.
ثانياً: سورية هي في حالة حرب منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وإلى الآن لم يتم استبدال نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي أو النيوليبرالي المعمول به قبل الحرب بنموذج اقتصاد الحرب.
ثالثاً: الفرق كبير وهائل بين النموذجين، فبينما يمنح النموذج النيوليبرالي دوراً قوياً ومهماً للقطاع الخاص في السيطرة على الاقتصاد وإدارة وتخصيص الموارد وفقاً لمصالحه، فإن نموذج اقتصاد الحرب يسمح للدولة باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية الهادفة إلى بث الروح في الأنشطة الاقتصادية الأساسية للبلد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وثني الاستهلاك الخاص الفاخر وسيطرة الدولة على الاقتصاد. (ويكيبيديا).
رابعاً : على عكس النهج النيوليبرالي الذي يدعو إلى تحرير الأسعار ورؤوس الأموال وخصخصة الاقتصاد والتقشف المالي، فإن نموذج اقتصاد الحرب يدعو الدولة إلى السيطرة على الاقتصاد واتخاذ جميع التدابير والإجراءات الاستثنائية لدعم قطاعي الزراعة والصناعة بغية تأمين الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية والصناعية الأساسية ومحاربة التضخم الجامح ورفع القوة الشرائية للرواتب والأجور.
أخيراً: يشكل نموذج اقتصاد الحرب المرحلة الضرورية للانتقال من نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي ذي الطابع النيوليبرالي إلى نموذج اقتصاد السوق ذي الطابع الاشتراكي.
2- ضرورة اعتماد نموذج اقتصاد السوق الاشتراكي
نظراً لفشل الليبرالية الجديدة فيما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا، ما البديل الذي يسمح بتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في الوقت نفسه؟
بناءً على التجارب التي حققت نجاحاً كبيراً على صعيد النمو الاقتصادي والاجتماعي مثل الصين وفيتنام فإن البديل الذي يناسب الاقتصاد السوري هو نموذج اقتصاد السوق الاشتراكي، لماذا؟ لأن هذا النموذج يتمتع بالميزات التالية:
أولاً: يسمح هذا النموذج بالحفاظ على المبدأ الاشتراكي للملكية العامة والسيطرة على وسائل الإنتاج مع دمج آليات السوق لتحسين الكفاءة والإنتاجية.
ثانياً: تلعب الدولة في هذا النظام دوراً رئيساً في تحديد الأهداف والأولويات الاقتصادية، لكن يسمح أيضاً بالمشاريع الخاصة ويتم تشجيعها.
ثالثاً: يستخدم السوق في هذا النظام كأداة لتخصيص الموارد وتحديد الأسعار، إلا أن الدولة تتدخل لتصحيح إخفاقات السوق وتعزيز الرفاهية الاجتماعية.
رابعاً: لا أحد يمكن أن ينكر اليوم حقيقة أن هذين البلدين تمكنا من تحقيق نمو اقتصادي كبير والحد من الفقر بشكل أكبر مع الحفاظ على درجة عالية من سيطرة الدولة على الاقتصاد.
هذه هي بعض الأفكار والرؤى التي نأمل من الله أن تخدم المعنيين في بلدنا بإيجاد حلول فاعلة للخروج من الأزمة الحالية، ومن وجهة نظرنا، لقد حان الوقت حقاً لإيجاد نهج اقتصادي جديد مغاير تماماً للنهج المتبع حالياً يتيح للدولة الفرصة بإعادة النشاط والنمو إلى الاقتصاد الوطني ويبث الأمل والتفاؤل من جديد في روح شعب قاوم وصمد وانتصر على أكبر وأعتى حرب كونية في التاريخ الحديث.

الاقتصادية

*أكاديمي وباحث اقتصادي في جامعة ريونيون الفرنسية

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات