
فخامة الرئيس،
من قلب سورية، ومن وجدان مواطنة عاشت تفاصيل الألم والأمل، أكتب إليكم هذه الكلمات، كابنة لهذا الوطن الذي أنهكته الحرب، واشتاقت روحه إلى السلام.
في لحظة فارقة من تاريخنا الحديث، أطللتم على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاملاً معكم وجدان شعبٍ أنهكته سنوات النزف، وطموح دولةٍ تسعى إلى النهوض من تحت الركام. لم يكن خطابكم مجرد مشاركة سياسية، بل إعلاناً صريحاً عن ولادة مرحلة جديدة، تتسم بالاعتراف، والمصالحة، والانفتاح.
لقد غاب الصوت الرئاسي السوري عن هذا المنبر لأكثر من نصف قرن، واقتصر التمثيل على مستويات دبلوماسية أدنى. واليوم، يُسجّل دخولكم إلى الجمعية العامة كأول خطاب رئاسي مباشر منذ السبعينات، في لحظة تعكس عودة سورية إلى موقعها الطبيعي في الخارطة السياسية العالمية، لا بصيغة دفاع، بل بصيغة بناء.
جاء في خطابكم توصيف دقيق لحجم المأساة التي عاشها السوريون، حيث أُشير إلى الضحايا والمهجرين والمنازل المدمرة. هذا الاعتراف، النادر في السياقات السياسية، يُعد خطوة أولى نحو العدالة الانتقالية، ويمهد لتأسيس دولة لا تُقصي أحداً، ولا تُعيد إنتاج الألم تحت شعارات جديدة.
كما عبرتم عن سعي الدولة لاستعادة علاقاتها الدولية، وفتح أبواب الإعمار أمام الشركاء العالميين، مع دعوة صريحة لرفع العقوبات التي تُثقل كاهل الشعب السوري. وشدّدتم على التزام سورية بالاتفاقات الدولية، وعلى احترام السيادة الوطنية، في رسالة واضحة بأن سورية الجديدة تسعى إلى السلام، لا إلى التصعيد.
فخامة الرئيس،
إن ما ورد في خطابكم لا يعد نهاية المطاف، بل بداية لمسار طويل من البناء والتصحيح. الكلمات وحدها لا تكفي، لكنها تُرسي الأساس. والمجتمع الدولي مدعو اليوم إلى دعم هذا التحوّل، لا عبر البيانات، بل عبر الشراكة الفعلية في إعادة الإعمار، وتعزيز الاستقرار، وتمكين السوريين من استعادة حياتهم.
وهكذا، لا يبقى أمامنا سوى أن نُحسن الظن بالوعد، ونُحسن العمل من أجل التحقق.
فالكلمة التي قيلت باسم سورية، ونحن شهودٌ على وجعها وأملها، تستحق أن تُترجم إلى واقع يليق بشعبها وتاريخها ومكانتها بين الأمم.
بكل تقدير، فخامة الرئيس
دانيا عبد الغني النابلسي
مواطنة سورية كاتبة وباحثة







