
عبد العزيز محسن:
بعد سنوات من التراجع الذي فرضته ظروف الحرب والعقوبات وتراجع الاقتصاد وتباطؤ الحركة التجارية، تعود صناعة المعارض اليوم لتستعيد مكانتها ودورها الحيوي الفعال مع انطلاق مرحلة التعافي في سوريا الجديدة، حيث يبرز قطاع المعارض كمنصة هامة لدعم الاستثمار وإحياء النشاط الاقتصادي، وليشكل رافعة أساسية في مسيرة إعادة الإعمار.
ورغم الطابع الخدمي للمعارض، فإنها تعد من المؤشرات الأساسية للنمو الاقتصادي وداعم اساسي قوي له، لما تتيحه من فرص لتبادل الخبرات واقانة استثمارات جديدة، وترويج للمنتجات وفتح قنوات تعاون وشراكات جديدة.. وتمتلك سوريا اليوم بنية تحتية مناسبة لإعادة إحياء هذا القطاع، وعلى رأسها مدينة المعارض التي لا تزال تحتفظ بكافة المقومات الفنية والتقنية والخدمية اللازمة لاستضافة فعاليات كبرى على مستوى عالمي.
إضافة إلى ذلك يظهر حجم الاهتمام الحكومي في دعم هذا القطاع، من خلال توفير التسهيلات الإدارية واللوجستية للشركات، بما في ذلك مرونة الإجراءات في المنافذ الحدودية، وتسهيل نقل المعروضات، ومنح المعارض معاملة خاصة تراعي طبيعة هذا النشاط كقطاع خدمي لا يهدف للربح المباشر، بل لتسهيل حركة التجارة وتحفيز النمو الاقتصادي.
وبرزت هذه الجهود بشكل واضح في معرض دمشق الدولي، الذي سجل حضوراً محلياً ودولياً مهماً، وشهد مشاركة نخبة من الشركات الرائدة في مختلف المجالات، وبالطبع يعود الفضل بهذا النجاح إلى الدعم الحكومي غير المحدود لإدارة المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، ومنحها صلاحيات استثنائية لتجاوز الروتين واتخاذ قرارات سريعة وفعالة أسهمت في إنجاح هذا الحدث.
مع ذلك، لا تزال صناعة المعارض في سوريا تعتمد في كثير من جوانبها على أساليب تقليدية، خصوصاً في مجال التسويق والترويج ووسائل العرض والخدمات الأخرى، في وقت أصبح فيه الاستخدام الاحترافي للتقنيات الرقمية، كالذكاء الاصطناعي والبرمجيات الحديثة أمراً لا بد منه في هذا القطاع، ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى إدخال تحديثات جذرية في بنية الشركات المنظمة للمعارض وتطوير آليات العمل، وتبني أدوات معلوماتية وتقنية متقدمة لإدارة التفاعل والتواصل مع الزبائن والزوار، سواء كانوا حاضرين فعلياً أو افتراضياً.
ولا يقتصر التحديث على الجانب التقني فقط، بل يجب أن يشمل أيضاً تطوير الكوادر البشرية عبر التدريب والتأهيل المستمر، لمواكبة أحدث التطورات في مجالات التسويق والعلاقات العامة وتقنيات العرض والإعلام الرقمي، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي التي باتت اليوم جزءاً لا يتجزأ من أي حملة ترويجية وتسويقية فعالة وناجحة، مع الأخذ بعين الاعتبار لشركات تنظيم المعارض بأن المعارض ليست مجرد فعاليات مؤقتة أو أنشطة تجارية تهدف للربح السريع فقط، بل يجب أن تكون رافعة اقتصادية وجسور تعاون ومنصات لبناء شراكات استراتيجية ورسم ملامح المستقبل، ولذلك من الضروري لمؤسسة المعارض تشديد الرقابة على كافة المعارض المتخصصة والتأكد من التزامها بالشروط والمعايير العالمية في التنظيم وحسن التعامل مع الحدث بوصفه نشاطاً اقتصادياً عاماً وليس ربحياً فقط.
اخيراً.. نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة النهوض بصناعة المعارض والانتقال بها من الأسلوب التقليدي إلى نموذج حديث وعصري، اضافة الى اعادة النظر في الروائز والامور التنظيمية الأخرى التي تنظم العلاقة ما بين المؤسسة وشركات التنظيم بما يحقق اعلى مستوى من الكفاءة والعدالة والفعالية، وقد يكون الأمر صعباً ويحتاج إلى جهد وامكانات وظروف أفضل، لكنه الطريق الوحيد إذا أردنا استعادة موقعنا على المستوى العربي والإقليمي في صناعة المعارض.
بانوراما سورية







