تخطى إلى المحتوى

سورية: حين يتكلم الحجر ويصغي العلم

*بقلم: دانيا عبد الغني النابلسي 

في لحظة علمية جمعت بين الفكر والوجدان، حضرتُ محاضرة ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للشباب والتغيير المجتمعي الذي نظمته منظمة الماسة للإغاثة والتنمية، بعنوان “البحث العلمي والابتكار: بوابة النهوض الحضاري والتنمية المستدامة”، قدمها البروفيسور رماز الأعرج.
لكن ما لفتني لم يكن فقط مضمون المحاضرة، بل ما أثارته في داخلي من أسئلة تتجاوز الحدث، وتعود بي إلى سورية، إلى الأرض التي لا تزال تنبض بالحضارة، رغم كل ما مر بها.

من النقوش إلى الزراعة: الوعي يولد من الحاجة

في الصحراء السورية، وعلى الصخور الخارجية، لا في الكهوف، ترك الإنسان الأول أثره.
لم يكن ذلك الأثر مجرد نقش، بل كان بداية سؤال: كيف يعيش؟ كيف يعبر؟ كيف يترك أثراً؟
ومع اشتداد الجفاف، لم يكن أمامه سوى أن يبتكر.
وهكذا، من ضغط الحاجة، ولدت الزراعة، ولدت أدوات الري، ولدت العمارة، ولدت الحضارة.

سورية، في هذا السياق، لم تكن مجرد مسرح للتاريخ، بل كانت مختبراً مفتوحاً للابتكار.
من أوغاريت إلى تدمر، من ماري إلى دمشق، كانت الأرض تعيد تشكيل الإنسان، وتعلمه كيف يصنع أدواته، كيف يدون لغته، كيف ينظم مجتمعه.

الابتكار ليس ترفاً… إنه ضرورة

المحاضرة التي حضرتها لم تكن عرضاً نظرياً، بل كانت تذكيراً بأن الابتكار لا يأتي من فراغ، بل من الحاجة، من التحدي، من الرغبة في البقاء.
وسورية، التي واجهت الجفاف، والضغط البيئي، والتحديات السياسية، كانت دائماً قادرة على تحويل الأزمة إلى فرصة، والندرة إلى فكرة، والبساطة إلى إبداع.

سورية اليوم: بين الذاكرة والرؤية

في زمن الثورة الرقمية، حيث تتراكم الأرقام وتتشابك المؤشرات، تظل سورية تذكرنا أن الإنسان ليس رقماً، ولا مشروعاً اقتصادياً، بل كائن يبحث عن المعنى.
التنمية المستدامة، كما ناقشتها المحاضرة، لا تقاس بالأرباح فقط، بل تقاس بمدى احترامها للطبيعة، للطفولة، للصحة، وللعدالة الاجتماعية.
وسورية، رغم التحديات، ما زالت تقدم نماذج من الشباب والباحثين الذين يعملون على إعادة بناء العلاقة بين الإنسان والعلم، بين الابتكار والكرامة.

دعوة من قلب سورية

لا أكتب هذا المقال لأجمل صورة، بل لأعيد الاعتبار لصوت لا يجب أن يهمش.
سورية ليست فقط بلداً منكوباً كما يقال، بل هي ذاكرة حية، ومختبر مفتوح، ومتحف يتنفس.
وإذا كان العالم يبحث عن نموذج للتنمية المستدامة، فعليه أن يصغي لصوت الحجر في الصحراء السورية، وأن يقرأ النقوش لا كآثار، بل كأفكار، وأن يرى في الإنسان السوري ليس ضحية، بل صانع معنى.

*كاتبة وباحثة سورية

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تابعونا على فيس بوك

مقالات