
*عبد العزيز محسن:
تتسع دائرة النقاش في الشارع السوري حول التوجه الحكومي لاعتماد سياسة “الأسواق المفتوحة”، التي أصبحت تُطرح بقوة في مسار الخطاب الاقتصادي الرسمي والاقتصادي المتداول.. وبينما يرى البعض أن هذا التوجه يشكل خطوة نحو تحديث الاقتصاد وتحسين مستوى الخدمات، يعتبر آخرون أنه جاء في توقيت حساس قد لا يكون مناسباً، ولاسيما بعد خمسة عشر عاماً من الحرب التي تركت آثاراً عميقة على البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية وعلى الحالة الاقتصادية والمعيشية لغالبية المواطنين .
اقتصاد منهك أمام متطلبات الانفتاح..
تواجه سوريا حالياً تراجعاً كبيراً في القوة الشرائية، وتذبذباً في أسعار الصرف، وانخفاضاً في قيمة العملة المحلية.. ورغم أن هذه التقلبات تُعد حالة طبيعية في المراحل الانتقالية اقتصادياً، إلا أن فتح السوق بشكل واسع سيؤدي حكماً الى زيادة الضغوطات على الإنتاج المحلي.. فقد أدى تدفق السلع الأجنبية خلال الأشهر الماضية إلى منافسة غير متكافئة دفعت عدداً من المصانع المحلية إلى التوقف أو تراجع أعمالها وانتاجها لعدم وجود سوق تصريف ، ما انعكس على سوق العمل بزيادة حالات التسريح وارتفاع معدلات البطالة.
فوائد محتملة… لكنها مؤجلة..
وفي المقابل، يرى مؤيدو الانفتاح الاقتصادي أن توفير خيارات أكبر وجودة أعلى للمستهلك يمكن أن يدعم النمو على المدى البعيد.. لكن ضعف البنية الاقتصادية الحالية يحول دون ترجمة هذه الفوائد بشكل فعلي.. ويشير خبراء إلى أن التحرر الاقتصادي يحتاج مرحلة تحضيرية تضمن استعادة جزء من القدرة الإنتاجية المحلية، وخلق بيئة أكثر استقراراً قبل مواصلة خطوات الانفتاح.
ترشيد الاستيراد كخيار ضروري..
ومع محدودية الموارد وعدم استقرار سعر الليرة مقابل الدولار، يبرز تساؤل حول جدوى السماح باستيراد سلع غير أساسية، مثل السيارات وبعض المنتجات الكمالية الأخرى.. ويشير اقتصاديون إلى أن هذا النوع من الاستيراد يستنزف القطع الأجنبي، ويزيد الضغوط على أسعار السلع الأساسية، ما ينعكس سلباً على مستويات المعيشة، وخصوصاً لدى ذوي الدخل المحدود.
استثمارات قيد الانتظار..
الحل هو بالانتاج طبعا، وبدخول استثمارات نوعية الى البلد.. ولكن رغم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركات عربية واجنبية لإقامة استثمارات نوعية، إلا أن معظم هذه المشاريع لم تنتقل بعد إلى حيز التنفيذ على ارض الواقع، كما لم تتدفق بعد الأموال كما كان متوقعاً.. ويؤكد مختصون أن دخول هذه الاستثمارات بشكل فعلي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تحريك العجلة الاقتصادية، وخلق فرص عمل، ودعم الإنتاج المحلي، وتحريك السيولة وانتعاش الأسواق.. لكن استمرار التأجيل يبقي المشهد الاقتصادي على حاله من الجمود والترقب.
تفعيل المبادرات المجتمعية..
وفي ظل هذا الواقع، وفي ظل ضعف منظومة الحماية الاجتماعية، يبرز دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في تخفيف الأعباء عن العائلات الأكثر تضرراً، حيث تعمل بعض المنظمات والجهات أهلية على إطلاق برامج تستهدف الموظفين المسرحين والموظفين المتوقفة رواتبهم، والمواطنين النازحين العائدين إلى مناطقهم التي تفتقر إلى فرص العمل، في محاولة للحد من آثار الأزمة وتعزيز القدرة على التكيف مع التحديات الاقتصادية، إلا أن هذه المبادرات والمساهمات تبدو محدودة الأثر والفعالية ولا يمكن التعويل عليها لوحدها في تسجيل اختراق حقيقي ومعالجة مستدامة لواقع عشرات الآلاف من العائلات على امتداد الجغرافيا السورية..
خلاصة..
تقدم سياسة الأسواق المفتوحة في سوريا مجموعة من الفرص والتحديات في آن واحد.. فبينما يراها البعض خطوة نحو الاندماج في الاقتصاد الإقليمي والدولي، يحذر آخرون من تطبيقها قبل توفير مقومات الحماية للاقتصاد المحلي.. ويبقى نجاح هذه المرحلة مرتبطاً بقدرة الحكومة على تبني سياسات متوازنة تجمع بين الانفتاح المدروس ودعم القطاعات الإنتاجية، مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية وتأثيراتها على حياة المواطنين.







