رغم وجود العديد من الإدارات العامة التي تشكو من نقص عاملين لإنجاز الأعمال المنوطة بها، سواء أكانت أعمالاً يومية لتلبية طلبات المواطنين المراجعين، كما هو الحال في دوائر الأحوال المدنية والعقارية والعدلية والمصرفية، التي يعاني عمالها من حجم عمل كبير نتيجة نقص العاملين قياساً إلى حجم العمل، أم أعمالاً تتطلب أسابيع وشهوراً لإنجاز أعمال وطنية كبيرة، كما هو الحال في العديد من الإدارات، فإلى جانب ذلك، من المجمع عليه أن البطالة المقنّعة حالة قائمة بحدّة، في الكثير من الإدارات الأخرى، ولا مجال لنكران هذا الواقع أياً كانت الحجج أو المبررات، ومن المؤسف استمرار ذلك في ظل هذه الحرب العدائية الشرسة على كامل الوطن، ما يجعل من غير الجائز –تحت أي عنوان- أن تعمد أية جهة لتقديم أي مبررات لغاية الإقناع بتأجيل معالجة البطالة المقنَّعة في جهة، لمصلحة سدّ ما هو قائم من نقص العمالة في جهة أخرى، أكانت هذه البطالة (أو هذا النقص) بسبب قصور الإدارة في تفعيل الدور المطلوب منها، وتفعيل المبادرة الفردية والجماعية والإدارية التي تؤدّي إلى إنتاج يزيد على ما هو مطلوب ومخطط له، أم بسبب قصور أداء العاملين.
من يتمعّن مليّاً لا يرى حرجاً في أن يعتبر أن الإدارات المتسلسلة تتحمل المسؤولية الكبرى عن ذلك، ما يستوجب أن تكون الحكومة معنية مباشرة باعتماد معالجة مدروسة لما هو قائم من نقص عمالة هنا وبطالة مقنّعة هناك، من خلال إصدار تشريع رسمي، يتضمن إيكال هذه المهمة العاجلة إلى ثلاث وزارات ( وزارة العمل – وزارة التنمية الإدارية – هيئة التخطيط الإقليمي)، التي عليها دراسة ذلك مليّاً، والمعالجة خلال فترة زمنية لا تزيد على ستة أشهر، وليكن ذلك عبر اعتماد الخطوات التالية:
أولاً: إقرار وإعداد ما يلزم لتنفيذ دراسة ميدانية مسؤولة، تظهر بكل صدق وموضوعية حجم العمالة الناقصة والفائضة، في جميع الإدارات المركزية والفرعية، بما يتوافق مع حجم وحاجة الأداء الفعلي القائم حالياً لكل عامل وإدارة، وإيلاء أهمية خاصة لأولئك الذين تم تعيينهم –مؤقتاً أو دائماً- لوجوب التعيين بغض النظر عن الملاك (مثال ذلك المهندسون…..).
ثانياً: إجراء تقاطعات تظهر أفضل الخيارات المتاحة والممكنة لإعادة توزيع العمالة الفائضة، ضمن الإدارات وفيما بينها، مع جواز تكليف العامل أداء أكثر من عمل ضمن إدارته، أو بالعمل لمصلحة أكثر من إدارة (في إدارات متقاربة) حال عدم احتياج جهة واحدة إلى كامل خدمته وطاقته اليومية، وخاصة في الأمور المهنية والفنية، مع مراعاة مصلحة العمل والعاملين معاً، ما أمكن ذلك، إذ لا مصلحة وطنية تتحقق عبر تكليف مهندس –باختصاص ما- لدى جهة واحدة لا تحتاج إلى اختصاصه إلا لساعات عمل قليلة أسبوعياً، وتتحقق مصلحة وطنية كبيرة عبر تكليفه العمل –وفق اختصاصه- في أكثر من إدارة.
ثالثاً: أن يكون التعيين الجديد في الإدارات العامة على ضوء الحاجة الفعلية والماسة للشخص المعين، أيّاً كانت الأسباب الداعية إلى التعيين، وأن تكون المهام الموكلة إليه متناسبة مع اختصاصه وإمكاناته.
رابعاً: أن تتحمّل القيادات الإدارية مسؤولياتها، باقتران احترامها للعمل والعامل معاً، وألا يصدر عن العامل أيّاً كانت صفته الوظيفية وحالته الشخصية أي تذمّر أو قصور، وأن يأخذ الطرفان (الإدارة والعامل) بعين الاعتبار أولوية تفضيل مصلحة العمل على مصلحة العامل عند اقتضاء ذلك.
خامساً: ضرورة قيام الحكومة بالإعداد والتمهيد، لأن يكون الأجر مرتبطاً بالإنتاج والدوام الذي تتطلبه حاجة المنشأة، ولا دوام لا يقابله إنتاج أو حاجة ماسّة له، ما يؤدّي إلى أن يكون همّ كل عامل منصبّاً على أداء عمل، يشكّل مدخلاً لشرعية تكثيف همّه في الحصول على الراتب، وخاصة من الذين تم تعيينهم تكريماً لهم، تحت عنوان أو آخر، في هذا الموقع أو ذاك، لا أن يكون نوال حق التكريم مبرراً لضعف أداء الواجب.
سادساً: فتح جبهات عمل جديدة مؤقتة منها ما هو ثابت ومنها ما هو متنقل، لتشغيل من هُجِّروا من المناطق التي وجدت فيها المنظمات الإرهابية، بحيث لا يتقاضى أحد راتباً لا يقابله إنتاج يوازيه.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
صحيفة البعث العدد / 15322 / ليوم الأربعاء2015-5-27-