بأسى ومرارة أتذكر جيدا تفاصيل مرحلة عاشتها أجيال لأكثر من عقدين وتستحضرني القيم التي انتشرت حينها واستفحلت كثقافة وحيدة لا خيار معها ولا حيلة في استبدالها أو على الأقل في انتهاج سياسة الحياد تجاهها وهو أضعف الايمان ….. ولو فعلت ستصبح خارج الزمان والمكان .
أتذكر تماما المقدمات التي أسست لما نحن عليه الآن من آلام وقلق وارتباك يوم كثر الكلام وقلّ العمل وتراجع دور المؤسسات التي يفترض بها أن تكون ناطقة ومعبرة عن حاجات وطموحات الناس , يوم رفعت الشعارات البرّاقة وحيّد القانون بوضعه على الرّف يستحضر فقط عندما تستلزم المصلحة ذلك فكان الأهم في كل شيء هو الشكل على حساب المضمون . يومها كان الرافض لهذا المنطق ونمط التفكير السائدين يشار إليه وقد يخرّج ويشك فيه حتى من أقرب الناس والسبب يتمثل بضرب مفهوم الطبقة الوسطى وهي الفئة الوازنة في المجتمع التي ينطلق منها الابداع والتنوير مما أدّى إلى تشكل أغلبية من الفقراء أصبحها معها التعليم أجوف بلا مضمون ثقاقي ومعرفي فتساوى في القيمة حامل الشهادات من عدمها .
من هناك من تلك المقدمات بدأت الأزمة الفعلية……… ثم يسألونك : لم حصل كل ما يحدث الآن ؟!! لا أحد ينفي فكرة وحقيقة أن الوطن مستهدف وأن التآمر لم يتوقف للحظة ولكن أن تكون المؤامرة شمّاعة تلقى عليها كل الاخفاقات ومعزوفة تردد كلما انزنق هذا أو ذاك وأصبح موقعه ومركزه في خطر فهو أمر محيّر لنكن منصفين علينا ألا نرى نصف الحقيقة فطبقة الفاسدين التي تحكمت بمصير البلد وعلى مدى عقود هي الوجه الآخر للمؤامرة التي تستهدف البلاد والعباد ………. لا أعرف لماذا تذهب بيّ الذاكرة أحيانا إلى هناك ؟ ربما لأنها الخيبة لعدم الوصول إلى واقع أفضل , وربما لأن ذاكرة من وقع عليه غبن أقوى بكثير من ذاكرة مستقوّ أو من مارس الظلم ………. أقول ربما والعلم عند الله كم كانت تؤلمني بصمت ونحن في مقتبل العمر نبحث عن ايجاد الذات والكيان ( لا ورانا ولا قدامنا ) مقولة ” الشاطر يدبّر راسو ” فينتابني شعور بتفاهة ووضاعة كل ما نحمل من شهادات.
أما مقولة ” اللّهم إني أسألك نفسي كانت تشعرني بغربة ما بعدها غربة وتدفعني للبحث عن قشة قيل أنها تنقّذ من الغرق ومع كل هذا لا يمكن البوح حتى لمن تحب وتثق لأن في ذلك ضعف قد يؤخذ عليك. ورغم الجراح وحجم المعاناة فإن جيش ممتهني الفساد وحماته مستمرين في غيّهم وهم ورثة وامتداد لتلك الطبقة الفاسدة في الماضي .
ما نقوله هو كلام المتألم والغيور على وطنه ومن موقع المؤيد والموالي لجيش استثنائي قوامه الفقراء ولقائد أثبت من البأس والشجاعة ما دفع الكثير للقول : يتوقف على صموده ومحاربته الارهاب مصير وحدة الأرض في المنطقة العربية .