من غابر الأزمان كان وما زال الحطب حاجة منزلية ومنشآتية، ولكن الحاجة إليه خفّت تتابعياً مع توفر النفط والغاز والطاقة الكهربائية، ولعقود خلت اعتمدت الحكومات المتعاقبة تنظيم الاحتطاب، عبر إحداث دوائر معنية بالحراج في كل منطقة، المترافق مع الحدّ من تربية الماعز، نظراً لأثر رعيه الجائر في نموّ الحراج، ومن ثم عملت على غرس مئات الهكتارات من الغابات الاصطناعية، وكثيراً ما ترافق ذلك مع اهتمام المواطنين الواعي بالشجرة الحراجية، على غرار اهتمامهم بكثير من الأشجار المثمرة، إذ كانوا يحتطبون حاجتهم منها كل عام وبكل بعناية، عبر تخفيف كثافتها غراساً وأغصاناً، وقطع المعمِّر اليابس منها بشكل منتظم ودوري، وقد نظمت دوائر الحراج الكثير من الضبوط وفرضت الغرامات المالية على من اعتدى على الحراج.
المؤسف جداً أن الأعوام الأخيرة شهدت خسائر كبيرة في الثروة الحراجية، نتيجة الحرائق الكبيرة والعديدة التي أصابت مئات الهكتارات الحراجية الطبيعية والاصطناعية في عدد من المحافظات، أكان ذلك بسبب التخريب الذي مارسته العصابات التكفيرية أم بسبب حرارة الطقس، أو نتيجة سوء تصرّف بعض المواطنين الخاطئ أو المتعمَّد، وزاد من ذلك الاحتطاب الفوضوي الجائر الذي مارسه كثيرون، لغاية التدفئة إثر ارتفاع أسعار المحروقات، وتراخي المراقبين الحراجيين وتقصيرهم في الرقابة وتنظيم الضبوط، بحجة مراعاة ظروف الناس نتيجة غلاء وندرة مادة المازوت، لحاجة التدفئة، ما زاد من أعداد المحتطبين وتسبّب في فوضى الاحتطاب، فكثير من المحتطبين لم يميّز بين الشجرة المعمّرة والحديثة، بين الأغصان الضارة والأغصان اللازمة، بل اجتثوا العديد من الأشجار الحراجية الصغيرة التي كان يجب تقليمها والإبقاء عليها لتكبُر، لا بل من المؤسف أن بعض الجهلة والسيّئين اعتدوا على الأشجار المثمرة العائدة لغيرهم، ولم يعُد الاحتطاب يتم لغاية الاستخدام المنزلي، بل انتشرت حالة المتاجرة الواسعة بأنواع عديدة من الحطب، وبأسعار مغرية، وليس هناك من يسأل ولا من يحاسب، وبعض من يستنكر قد يكون هو أحد الفاعلين، أو من المعنيين بكبح فوضى الاحتطاب وتنظيمه.
هل غاب عن ذهن الجميع أن الجهات الرسمية المتضررة من الاحتطاب الفوضوي الجائر، والمعنية بتنظيمه، كثيرة جداً، بدءاً بوزارة الزراعة وتحديداً مديرية الحراج التي لها وجود في كل المناطق الحراجية، والتي يجب أن تحقق دخلاً سنوياً من الحراج التي تقطعها كحطب لغاية الوقود أو لغاية الخشب، ووزارة البيئة معنية لما للشجرة من أهمية في تلطيف البيئة وتنظيم الأمطار، ووزارة السياحة معنية نظراً للمناظر السياحية الخلابة التي توفّرها المناطق الحراجية، ووزارة الأوقاف معنية لأن معظم مناطق المقابر مغطاة بالأشجار الحراجية، ووزارة الصناعة معنية لأن تنظيم العناية بالأشجار الحراجية يساعد في تأمين الخشب الصناعي، ووزارة الصحة معنية لما للشجرة من دور في توفير أجواء الصحة العامة، والمديرية العامة للمحروقات معنية بذلك، بعد أن تبيّن أن الحطب مادة وقود، موازية للمواد النفطية ومكمّلة لها. وأيضاً وزارتا التربية والثقافة معنيتان بتوعية الجيل وتثقيفه حول أهمية الحفاظ على الشجرة.
من المؤكد أنه ليس بمقدور جميع هذه الجهات الوجود في كل عقار وحول كل شجرة، ولكن الجميع يدرك أن الجهات الثلاث، وزارة الإدارة المحلية عبر بلدياتها، واتحاد الفلاحين عبر جمعياته الفلاحية، ووزارة الزراعة عبر وحداتها الإرشادية، موجودة في كل قرية، ما يوجب إصدار تشريع رسمي يوجب التنسيق بين هذه الجهات الثلاثة (البلدية – الجمعية الفلاحية – الوحدة الإرشادية الزراعية / عبر ممثلها عن مديرية الحراج)، واعتبارها معنية رسمياً بتنظيم الاحتطاب وحماية الحراج من الإبادة عبر تشكيل فريق ميداني من هذه الجهات يتولى تنظيم الاحتطاب، عبر قطع المعمّر واليابس والكثيف، لغاية الخشب الصناعي ولغاية خشب الوقود، بما يحافظ على نموّ الثروة الحراجية، لا أن تبقى الأمور خبط عشواء، تحت حجج واهية تضيِّع الثروة الحراجية، وتخرّب البيئة، وضرورة أن يتواكب ذلك مع توجيه يومي للجيل الناشئ، بهذا الخصوص، عبر المدارس المنتشرة في كل قرية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث العدد / 15400 / تاريخ 11 / 9 / 2015