تتباين التعويضات والامتيازات التي يحصل عليها العاملون في الإدارات العامة بين إدارة وأخرى، فبعض الإدارات يقدِّم لبعض أو جميع عامليه النقل المجاني من المسكن إلى مقر العمل وبالعكس، أو يمنح مكافآت أو حوافز نقدية أو عينية أو هبات دورية أو عرضية من أغذية أو ألبسة شتوية وصيفية، أو يقدم لعامليه السكن المجاني أو المأجور بقيمة رمزية، أو يمنح عوائد عمل إضافي دون دوام مقابل أو مقابل دوام رمزي، وقد يمنح عيديات نقدية أو عينية في الأعياد، ولكن معظم العاملين في العديد من الإدارات الأخرى لا يحصلون على هذه التعويضات والامتيازات.
من يتمعّن مليّاً في واقع العمل في الإدارات التي تمنح بعض أو كل الامتيازات التي ذكرناها، يرَ أن هناك بعض المسوّغات التي تبرِّر منح هذه التعويضات والامتيازات لبعض العاملين في هذه الإدارة أو تلك، ولكن العديد من هذه المسوّغات لا ينطبق حقيقة على عاملين آخرين، نظراً لعدم وجود وقائع فعلية توجب ضرورة منح هذه التعويضات والامتيازات لهم، في حين تنطبق أحقية ذلك على عاملين في إدارات أخرى، يبذل عاملوها جهوداً يومية كبيرة، توجب منحهم العديد من التعويضات والامتيازات قياساً إلى ما يحصل عليه بعض العاملين في إدارات أخرى، ولكنه غير متاح لهم.
مثال ذلك: الجميع يرى أن الدوائر العقارية في جميع المحافظات، تشهد كثافة عمل ملحوظة منوطة بالعاملين في هذه الإدارات، فضلاً عن دقة العمل المطلوب منهم أداؤه، ويترتب على هذا العمل عائد مالي يومي كبير يصبّ في الخزينة العامة للدولة نتيجة ما تتطلبه المعاملات العقارية -التي ينفذها العاملون في هذه الدوائر- من رسوم وضرائب وطوابع، ولكن العاملين لا يتقاضون أية تعويضات أو مزايا مقابل جهودهم هذه، في حين يتقاضى العاملون في الدوائر المالية تعويضات سنوية مجزية يحصلون عليها كنسبة من مبالغ الجباية المحصلة سنوياً منهم.
أيضاً دوائر السجل المدني في جميع المحافظات تشهد حجم عمل يومي كبيراً منوطاً بالعاملين في هذه الدوائر وما يرافق ذلك من دقة ومسؤولية العمل المطلوب منهم، ويترتب على ذلك دخل يومي لمصلحة الخزينة العامة بسبب الطوابع المستخدمة على وثائق السجل المدني، ولكن ما يحصل عليه العاملون من تعويضات طوال العام يسير جداً قياساً إلى جهودهم المبذولة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه كثيراً ما يكون ليس بمقدور العامل في السجل المدني أو الدوائر العقارية الحصول على إجازة صحية أو إدارية أو ساعية، بالسهولة التي قد يحصل عليها عامل في إدارة أخرى يحظى عاملوها بتعويضات وامتيازات.
أيضاً ينص قانون العاملين المعمول به الآن على عطلة يومي الجمعة والسبت في الأسبوع، على أن يتقاضى العامل أجر عمل إضافي عن يوم السبت في حال داومه، ولكن بعض العاملين في بعض الشركات الإنشائية لا تمنحهم إداراتهم أي أجر إضافي مقابل دوام يوم السبت المتتالي كل أسبوع، في حين توجد إدارات أخرى تمنح عامليها عملاً إضافياً مقابل دوامهم يوم السبت عرضياً مرة أو أكثر في الشهر.
هذا التباين الملحوظ في التعويضات والامتيازات بين العاملين في الإدارات، يولّد حالة من الشعور بالغبن لدى آلاف العاملين، ومن المؤكد أنه ينعكس على أداء الكثير منهم، ما يجعل من حق المراقب المتابع أن يعلق آمالاً على مشروع قانون العاملين الجديد المتوقع صدوره قريباً، بحيث تكون مجمل الأجور والتعويضات التي يتقاضاها كل عامل في أية إدارة متناسبة مع حجم العمل المنوط به، وكمية الإنتاج المتحقق من ذلك، إذ من المأمول أن يكون القانون الجديد منصفاً لجميع العاملين، بحيث لا يبقى أي عامل مغبوناً أو متميزاً عن غيره من العاملين، قياساً إلى الجهود التي يقدّمها.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث العدد / 15478 / ليوم الجمعة 8 / 1 / 2016