إن مبادرة الحكومة الجديدة خلال الأيام الأولى من مباشرتها عملها بتشكيل /6/ لجان عمل دائمة متخصصة، تنمّ عن تفهّمها لواقع الحال وما يجب أن يكون إليه المآل، فتشكيل اللجنة الأولى المعنية بإعداد آلية لدراسة وتحليل اقتراحات تنفيذية للعوامل التي تؤثر فعلياً في سعر الصرف والبدء بتنفيذ هذه المقترحات، يؤكّد تحسّس الحكومة خطورة تقلبات سعر الصرف على القوة الشرائية لليرة السورية، وقناعتها بإمكانية ووجوب الحد من ذلك، ونظراً لثبوت أهمية الأرض في تأمين لقمة العيش، وتمكين الاقتصاد الوطني من الصمود في المواجهة خلال السنوات الست من الحرب العدائية على سورية، تم تشكيل اللجنة الثانية المعنية بدعم الزراعة المحلية، وخاصة ضمن الأراضي المحدودة المساحة والقريبة من المنازل لتأمين الاكتفاء الذاتي، والاستثمار الأمثل لكل المناطق، وعلى الأثر وجّه وزير الزراعة بتشكيل فريق عمل نوعي متخصص لتطوير وتشجيع الصناعات الزراعية، وأقرّت الحكومة ثلاثة مشاريع لتطوير القطاع الزراعي، وهي تشجيع الزراعات المنزلية ومشروع مرتبط بقطاع الدواجن، ومشروع التربية المنزلية للدواجن.
وتم تشكيل اللجنة الثالثة المعنية بالسعي إلى جذب رأس المال الوطني ومشاركته في العملية التنموية، ما يدلّ على تفهّم الحكومة للدور الاستثماري الناقص لرأس المال الأجنبي، خلال السنوات الماضية، وأن رأس المال الوطني هو الرافعة الأساس لإعادة الانطلاقة الاقتصادية، وتم تشكيل اللجنة الرابعة المنظور أن يكون اهتمامها منصبّاً على دراسة سبل تأمين واردات للخزينة العامة، بما لا يتعارض مع العملية التنموية والاجتماعية، بعد أن انتاب الواردات خلال السنوات الماضية الكثير من الضمور.
بينما تم تشكيل اللجنة الخامسة المعنية بدراسة واقع جميع الأملاك العامة المسلمة استثماراً، بعد أن اتضح أن العديد من المستثمرين وضعوا أيديهم على عقارات، دون أن يقابل ذلك البدء بالمشروع الاستثماري المزعوم، ويحضّرون بل يعمدون إلى المتاجرة بها، واللجنة السادسة مؤلّفة من المعنيين في الحكومة والمحافظة والمجتمع المحلي في جميع محافظات القطر، ومتخصصة بدراسة مشاريع المناطق الريفية الفقيرة، ومدعاة للتفاؤل أن الحكومة حمّلت هذه اللجان مسؤولية التواصل الدائم مع المواطنين وتطوير آلية العمل في مؤسسة المجلس.
أيضاً يتجلى التفاؤل الاقتصادي لدى كل مواطن، إثر عكوف مجلس الوزراء على وضع رؤية لتأمين المشتقات النفطية ومستلزمات الطاقة تبدأ بترميم البنى التحتية وتأمين حاجات محطات التوليد ومكافحة تهريب المشتقات النفطية، ودراسة ومناقشة مذكرة وزارة الصناعة حول واقع المنشآت والمشاريع الصناعية المتعثرة والمتضررة، والصعوبات التي يعاني منها القطاع الصناعي، ورؤية مقترحات الوزراء لمعالجتها للنهوض بقطاع الإنتاج الصناعي، ودراسة مذكرة وزارة الاقتصاد بخصوص تشكيل فريق عمل من الوزارة والإدارة المركزية لهيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودراسة مذكرة وزارة الكهرباء حول إمكانية إعادة تغذية المشاريع الزراعية والآبار المتوقفة عن العمل بالطاقة الكهربائية، ودراسة واعتماد دعم الشركات الإنشائية، وتوجّه الحكومة نحو تفعيل دور المجالس الاستشارية من جديد، بدءاً من رئاسة مجلس الوزراء ومن ثم في كل جهة عامة، وخاصة أن هذا النوع من المجالس موجود في كل دول العالم على اختلاف التسميات، على أن تكون مهمة هذه المجالس تقديم المشورة فيما يتعلق بتطوير برامج الجهة المعنية ومساعدتها على تقوية علاقتها بالقطاعين الخاص والحكومي، واقتراح آليات لزيادة فعالية النشاطات العملية وتقديم التوصيات حول الخطة المستقبلية.
توجهات مهمة جداً، ويبقى رهان المواطن قائماً على آماله المعلّقة في استمرارية فعالية هذه التوجهات، لا أن تبقى حبراً على ورق، أو أن تتبخّر بعد أسابيع أو أشهر، كما حدث لكثير من التوجّهات السابقة لسنوات خلت، إذ ما زال الجميع يتذكر أن العديد من الوعود والتوصيات والتوجهات ذهبت أدراج الرياح ، بل لم يتم العمل بالعديد من التشريعات المهمة التي صدرت، ولكن جدية رئاسة مجلس الوزراء اليوم تجلت بأن قرّرت أن تطلق على موقعها الإلكتروني خدمة منبر المواطن للتواصل المباشر بين المواطن والحكومة، ما يؤكد عزمها على أن تفعل ما تقول.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال تم نشره في صحيفة البعث – صفحة اقتصاد – العدد / 15615 تاريخ 27 / 7 / 2016