تتطلب مقتضيات العمل الوطني مزيدا من المتابعة للقرارات والتوصيات والتعليمات والبرامج الرسمية والمنظماتية، ولعل من مدعاة للسرور أننا نشهد تتالي ذلك، ومن يسمع أو يقرأ بعض أو كل ما يصدر مساء تبتهج أساريره، ويقول سنصبح على خير، ولكن الصباح التالي يعقبه الكثير من المساءات والصباحات، ويبقى التنفيذ أقل من الموعود والمأمول، ما دفع المهتمين والمهمومين إلى أن يقولوا، ما أكثر القرارات وما اقل التنفيذ.
تظهروقائع الميدان أن بعض هذا القصور مبرر، لأنه يعود إلى عدم أو ضعف التطابق بين مضمون ما صدر، وحجم المعطيات المتوفرة التي تسمح بتحقيقه، وغالبا ما يظهر ذلك في ميدان التوصيات التي تصدر عن العديد من المؤتمرات الصغرى والكبرى، والكثير من البرامج والخطط ، نظرا لأنه من المعتاد – منذ عقود خلت – أن الكثير من التوصيات والبرامج والخطط ، تكون طموحة جدا، انسجاما مع الرغبات، بعيدا عن الموازنة بين إمكانات المعطيات وحجم المتطلبات، ما يجعلها غير ممكنة التنفيذ، وهذا ما ساهم بتكرار الكثير من هذه التوصيات مرارا، من مؤتمر لآخر ومن برنامج لآخر، تحت حجة أن الظروف لم تسمح بتنفيذها في المراحل السابقة.
قد يرى بعضهم أنه لاحرج في عدم تنفيذ التوصيات لأن بعضها ما هو إلا رغبات وتطلعغات ليست ملزمة التنفيذ، إلا في ضوء المستطاع، وبالتالي لا غرابة ألاَّ تنفذ بكاملها، ولكن يغيب عن هذا البعض أن بعض ما لم يتم تنفيذه كان ممكن التنفيذ، ولكن لم يتحقق ذلك بسبب قصور أداء بعض المعنيين، ذوي الآراء القاصرة والحجج الواهية، ومعهم من يعمدون إلى تضييع الأمور بين كثير من المراسلات والردود، والانتقال من استمهال فإمهال إلى إهمال ونسيان، والحال نفسها بالنسبة لبعض البرامج والخطط ، ولكن الطامة الكبرى تبقى قائمة عند عدم أو ضعف تنفيذ بعض القرارات والتعليمات، التي من المتوجب أن تكون ملزمة التنفيذ، ومن المقتضى التمعن مليا في ذلك.
كثيرون هم الذين يلقون باللائمة على قمة الهرم، فيحملون الوزير أو المدير العام مسؤولية القصور في التنفيذ، وإن كان من الإجحاف تحميل رأس الهرم كل ذلك، فليس من الإنصاف تبرئته كليا، مع اقتضاء وجوب تسليط الضوء على أداء المفاصل الفرعية / مديرين فرعيين – رؤساء دوائر – رؤساء مكاتب – رؤساء لجان – بعض أصحاب المهام الحساسة …/ العاملة مع هذا الهرم، التي هي المعني الأول في كثير من الإنجازات والأداء الحسن، كما هي المعني الأول في كثير من القصورات والأداء الخاطئ، وغالبا ما يتكرس ذلك عندما يؤتى برأس الهرم من خارج حلبة الإدارة، وخاصة إذا كان اختصاصه وخبرته لا يتناسبان مع طبيعة عمل الإدارة الموكلة إليه، ما يجعله غير متفهم لطبيعة مهامه وواجباته، ويتكرس ذلك أكثر عند انشغاله في وجاهات السلطة، وإعطائه الثقة العمياء لهذا المفصل أو ذاك من العاملين معه، ويجهل أو يتجاهل أو يركن إلى عدم أو ضعف جدية ومصداقية أدائهم. ويضعف عن متابعته لما يجب تنفيذه، أكان بخصوص ما يصدر عنه اجتهادا، أو تلبية لما يرده من الأعلى ومن الجهات الرسمية والشعبية ذات الصلة مع مهام إدارته.
إن المتابعة الإدارية مدخل لتنفيذ البرامج والقرارات والتوصيات والتعليمات، وخاصة وانه يندر أن تخلو إدارة عامة فرعية أو مركزية من رقابة داخلية بها، وأيضا دائرة متابعة، ما يقتضي قيام هذه الإدارات بمتابعة تنفيذ القرارات والأوامر الإدارية والتعليمات الواجبة التنفيذ، وضمان حصول الرد على البريد الوارد، خلال المهل المحددة، وتعليل أي تأخير بذلك، مع المساءلة والمحاسبة حال حصول أي تضليل بهذا الشأن، وضرورة فتح الباب أمام المتابعين لذلك، أيا كانت صفتهم الرسمية أو الشعبية، بعيدا عن أي تستر أو تقنين في إعطاء المعلومات لطالبيها، والمؤسف أن بعض أولي الأمر ما زالوا يوعزوا لإداراتهم المركزية والفرعية بعدم إعطاء أية معلومات للغير، دون الرجوع إلى الإدارة الأعلى ، إذ لا مبرر لتخوف بعض الجهات الرسمية أو المنظماتية من إعطاء معلومات للإعلام أو للمعنيين بتنفيذ البرامج والتعليمات والتوصيات والتحقيق في الشكاوى.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذه المادة منشورة في صحيفة البعث ليوم الجمعة 4 / 11 / 2016 -ص 3 – العدد / 15682