من المؤكد أن جودة الأداء تختلف من صاحب مهنة إلى آخر تبعاً لمؤهلاته العلمية والعملية وكفاءته ومهارته الإدارية وما يتحلى به من أخلاقيات، فبعضهم ينفّذ المهام الموكلة إلى إدارته تتابعياً بكل دقة وجدية، وقد يجهد في البحث عما يمكّنه من تنفيذ أكثر مما هو مطلوب منه، عبر استثماره الأمثل للإمكانات المتاحة لديه، وسعيه الحثيث لتوفير المزيد منها، والعمل على تخطي الكثير من الصعوبات، وحل الكثير من المعضلات، منكبّاً على خدمة مؤسسته بشتى السبل، ولكن لا حرج أن نقول: إن واقع الحال أظهر وما زال يظهر قلة عدد من يتحلّون بهذه الصفات، والشريحة الأكبر هم أولئك الذين يحصرون همّهم بتنفيذ ما هو مطلوب منهم، وربما بحده الأدنى، ويجهدون لتبرير ركونهم لأية صعوبات، أكثر بكثير من جهدهم الواجب لتذليلها.
لكن الطامة الكبرى تبقى مع أولئك الذين يتقاعسون في أداء المهام الموكلة إلى إدارتهم، ويكثرون من المراسلات المضللة واللجان المعطلة، ويسيئون استثمار الإمكانات المتاحة بين أيديهم، عبر التضييق على المهارات الفنية والإدارية العاملة معهم، وتوزيع المهام تبعاً للولاءات والمنافع المترتبة عليها، ويعمدون لتبذير الإمكانات المادية المتاحة أمامهم، فينفقون أموالاً في غير مكانها، كمكافآت لمن لا يستحق، أو أجور عمل إضافي لمن لا يؤدّي عملاً مقابل ذلك، أو صرفيات وهمية للصيانة والإصلاح، أو شراء مستلزمات بأسعار تفوق سعرها الحقيقي وذات مواصفات أدنى، أو يستخدمون آليات المؤسسة ومعداتها لغير العمل المخصصة له، أو يهملون تأمين جاهزيتها للعمل.
قد يكون من غير المستغرب ألا تطول مدة استلام بعض من تميّزوا بحسن الأداء وألا يتم تكريمهم إثر ذلك، ولكن الغريب في الأمر يتجلى بإطالة مدة استلام سيئي الأداء، وحال إعفاء من طفح كيل فساده، يتم ذلك دون أية مساءلة عمّا فعلت يداه من سوء عمل، أو خطّ قلمه من سوء قرار، وقد يرى بعضهم أنه ما من حيف ولا ظلم، في عدم مكافأة من أحسن، من منطلق أنه قد قام بواجبه، ولكن الكل يرى أن الحيف والظلم يقعان معاً عند عدم مساءلة ومعاقبة المقصّر والمسيء، الذي نجم عن قصوره وسوء إدارته الكثير من الإضرار بالمصلحة الوطنية العامة، وأن تكون العقوبة له منحصرة بإعفائه من مهمته، هذه العقوبة التي يرى بعضهم أنها بمنزلة تكريم له بعد أن امتلأ جيبه بما يتيح له الفرصة للحراك براً وبحراً وجواً لاستثمار ما حققه من كسب غير مشروع.
الظاهرة التي تستحق التوقف عندها، هي أن بعض أصحاب المهام الذين أعفوا من مناصبهم، يغيبون عن الساحة بعض الوقت، حتى يخيَّل للمراقب أنهم هربوا خارج البلد، أو أنهم موقوفون قيد التحقيق والمساءلة والمحاسبة، وإذ بهم يظهرون بعد حين في الصفوف الأولى في مناسبة وأخرى، متعمّدين التوضيح أنه قد أسيء بهم الظن، ولا صحة لما اتهموا به، أو ظناً أن إساءاتهم أصبحت طي النسيان، لا بل قد يحظى بعضهم لاحقاً بتكليفه الجديد بإدارة أخرى.
مدعاة للسرور أن توجيهات السيد الرئيس الأخيرة للسادة المحافظين، أكدت أهمية التقيّد بالقوانين وتطبيقها على الجميع بعيداً عن الانتقائية والمحسوبيات، وضرورة القيام بالمزيد من الجولات الميدانية التي تساعد في كشف الفاسدين ومحاسبتهم، ومكافحة البيروقراطية والهدر في مؤسسات الدولة، ووقف جميع المخالفات والتعديات على الأملاك العامة، وأن رئاسة الوزراء اتخذت قرارها بعدم الاكتفاء بإعفاء الإدارات العامة، وضرورة متابعة ملفاتها من لجنة تحقيق مختصة.
حبذا ألا يغيب عن أولي الأمر أن الكثير من المهام الإدارية –على تنوّعها وتعدّدها– تنقصها العديد من الامتيازات والإمكانات التي تغطي متطلبات الأداء المطلوب من شاغليها، ما قد يتسبّب بحدوث بعض القصور أو يدفع باتجاه بعض السوء، ما يستوجب إيلاء ذلك المعالجة المطلوبة، وأيضاً حبذا ألا يغيب عن بالها أن عدم اعتماد المعايير الإدارية والفنية المطلوبة عند تعيين أصحاب المهام، يكرّس الأداء القاصر والسيئ في ظل بعض التشريعات التي تحتاج إلى إعادة النظر بها، وحبذا أن تكون اللجان المختصة معنية بتكريم من انتهت مهمته بالأداء الحسن، بالتوازي مع مساءلة ومعاقبة من انتهت مهمته بالأداء السيّئ، فالثواب والعقاب مطلوبان معاً.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفخة اقتصاد من صحيفة البعث العدد / 15693
ليوم الخميس 17 / 11 / 2016