بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:

رغم مرور وقت طويل على ما بات يعرف بقضية قسم امراض وجراحة القلب بمشفى الباسل في طرطوس.. ورغم معرفة الجهات الرسمية والحزبية والرقابية والأمنية بصورة ما يحدث وحجم الضرر الذي يطال مرضى القلب بسبب عدم جاهزية القسم بالشكل المطلوب إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الخدمات والمواد والتجهيزات الطبية القلبية مقارنة مع الأسعار لدى جميع المشافي العامة والخاصة بحسب ما يؤكده الأطباء والمرضى والمتخصصين.. ورغم كل ذلك لم تتحرك وزارة الصحة لتصحيح هذا الخلل الكبير مما يوحي بأن هناك “غض نظر” وموافقة على استمرار هذا الواقع المذري على ما هو عليه والذي يخدم مصالح خاصة أنانية وضيقة على حساب المريض ناهيك لما يتركه من أثر سلبي على سمعة المشفى الذي يقدم خدمات طبية كبيرة لا أحد ينكرها ولكن يعكر صفوتها ونقاءها مثل هذه التصرفات السلبية وهذا التقصير الذي لا مبرر له على الإطلاق…

ولكي ندخل في بعض التفاصيل نشير إلى استمرار تعطل “أو تعطيل” جهاز القثطرة القلبية منذ فترة طويلة، وتبرر الإدارة بأن عملية اصلاحه تحتاج الى موافقة واعتماد مالي من الوزارة وأن هناك مشكلة مع الشركة الموردة والكافلة للجهاز ويمضي الوقت ولا توجد حلول لإعادة هذا الجهاز إلى العمل حتى الآن.. وبالتالي فأي مريض يحتاج إلى قثطرة سيضطر للسفر الى اللاذقية او دمشق او حمص لإجراء هذه العملية وما يرافق ذلك من مخاطر صحية للمريض على الطريق.. ولكن حتى عندما كان يعمل هذا الجهاز، كان المشفى يستوفي مبلغ يوازي الاجور في المشافي الخاصة بينما تكلفتها في مركز جراحة القلب في اللاذقية لا يتعدى الـ 17 الف ليرة سورية فقط.. فلماذا كل هذا الفرق في الأسعار طالما المشفيين تابعين للوزارة نفسها!!، وكان ملفتاً ما أخبرنا به أحد المرضى الذي أجرى هذه عملية القثطرة في اللاذقية أن 60 بالمئة ممن أجروا العملية بنفس اليوم كانوا من محافظة طرطوس مما يدل على مدى الحاجة الى الاسراع في تشغيل الجهاز المذكور..

 ايضا هناك مشكلة يعاني منها مريض القلب في مشفى الباسل تتمثل بعدم توفر مواد ومستلزمات الجراحة في معظم الأحيان مثل المؤكسجات أو الصمامات.. وغيرها وتمنع إدارة المشفى المريض أو الطبيب من شراء المواد المفقودة من السوق رغم انها بنفس النوعية ونفس الشركة الموردة ونفس البيان الجمركي بحجة أنها قد لا تتمتع بالمواصفات المطلوبة!

أما القضية المثيرة للاهتمام والاستغراب فتتمثل بتقاضي المشفى لأسعار العمليات الجراحية وكذلك أسعار المواد كالمؤكسجات والصمامات… وغيرها بأسعار تضاهي مثيلاتها في المشافي العامة في المحافظات وكذلك لدى القطاع الخاص الأمر الذي يترك علامات استفهام كبيرة حول هذا الموضوع.. فمثلا وصل ثمن المؤكسج الى 250 الف ليرة في حين يمكن الحصول عليه من السوق الخاصة وبسعر التجزئة ب 175 الف ليرة فقط ايضا ثمن الصمام المعدني الذي تقدمه المشفى 550 الف رغم أنه يمكن الحصول عليه بأسعار التجزئة بأقل من 380 الف ليرة فقط ناهيك عن الخيوط وباقي المواد الأخرى.. الاخرى مع الاشارة انه تم مؤخرا تخفيض أسعار مؤكسجات من 250 ألف إلى 210 الف ليرة بعد أن كثر الحديث عن هذا الفرق بالأسعار مما يؤكد أن هناك تلاعباً  رغم أنها لاتزال اعلى من اسعارها في الاسواق -كما ذكرنا- مع انه من المفترض ان تكون ادنى بكثير كونها تجري عبر كميات كبيرة ومن خلال مناقصات وتقديم عروض اسعار، وهنا تساؤلات إضافية الى اين تذهب هذه الفروقات الكبيرة في الأسعار؟؟!!..

تبريرات مدير عام المشفى الدكتور محمد حسين حول نقص المواد وطريقة تأمينها وكذلك حول اسباب الارتفاع الكبير في الأسعار والتي تم نشرها في الصحافة لم تقنع المتخصصين والأطباء العاملين في القسم، وكانت هناك اعتراضات كبيرة من قبلهم على هذه الأسعار وعلى آلية العمل المتبعة التي تعد اجحاف كبير بحق المريض والطبيب على حد سواء خصوصاً أن الكثيرين يعتقدون أن قسماً كبيراً من المبالغ المدفوعة تذهب إلى الطبيب المعالج بينما في الحقيقة لا يحصل على أي شيء باستثناءات تعويضاته المعروفة.. إلا أن هذه الاعتراضات لم تلق آذان صاغية لدى الإدارة بل تم معاقبة بعض الاطباء والإداريين الفنيين بإبعادهم أو بتهميشهم ..   

هوامش..

– ما تحدثنا عنه آنفاً هو عملية مسيئة للمريض الذي يلجأ بشكل اسعافي إلى المشفى بعد إصابته بأزمة قلبية كونه المشفى الوحيد في المحافظة الذي يستقبل مثل هذه الحالات وبالتالي يضطر ذوي المريض للخضوع على ارادة ومشيئة المشفى..

– لدينا العديد من الوثائق حول فروقات الأسعار لدى كل من مشفى الباسل ومركز جراحة القلب في اللاذقية وبعض المشافي الخاصة والتي تؤكد أن هناك خللاً كبيراً ..

–  عدد سكان محافظة طرطوس حالياً يبلغ مليوني نسمة ومن الممكن ان يحدث حوالي 2000 تداخل قلبي سنوياً بحسب الاعتماد العالمي وهذه تحتاج الى اجراء تداخلي قلبي يتراوح ما بين توسيع الشرايين وبين جراحة القلب المفتوح وهذا غير متوفر حالياً في قسم جراحة القلب..

– يقتصر العمل في قسم امراض وجراحة القلب على استقبال الحالات الاسعافية والحالات الباردة وتقديم علاجات دوائية ومراقبة تقليدية وهي لا تحل اي مشكلة وهي اسعافية فقط بينما يتم تحويل الحالات الخطرة الى مشافي اخرى خارج المحافظة وما يترتب عن ذلك من نسب وفيات عالية..

إزاء هذا الواقع غير المذري وازاء هذه الصمت من قبل الجهات المسؤولة والمعنية والمشرفة على هذا الملف أو القطاع بشكل عام لا يسعنا الا إطلاق نداء عاجل لتدارك الوضع وإعادة تنشيط القسم وتامين مستلزماته أسوة بباقي أقسام ومراكز جراحة القلب في المحافظات إضافة الى اتخاذ تدابير أكثر مرونة في التعامل مع موضوع صيانة الأجهزة الحساسة وتامين المواد بأسعار موحدة بشكل مدروس مقارنة مع مشافي الدولة الأخر.. فليس مقبولاً أن تستمر هذه الحالة وهذا اللامبالاة بمصير حوالي مليوني شخص يمكن أن يتعرض نسبة 20 بالمئة منهم لمشاكل وأمراض قلبية في حين أن المشفى غير مهيئ لمتابعتهم ومعالجتهم بشكل جيد..