عبد اللطيف عباس شعبان:
يؤكد واقع الحال أن ملكية الدولة من الأراضي الزراعية والحراجية والصخرية والصحراوية، تتناقص عاماً بعد عام، وربما تمّت خسارة قضية أرض في التفتيش أو دعوى بها في القضاء، أو تمّ التغاضي عن اعتداء حصل على أرض أو التباطؤ أو التخلي عن ملاحقة معتدٍ على أخرى. ولعقود عديدة خلت يندر أن يمرَّ عام، لم تقم المديرية العامة لأملاك الدولة بتقديم هبة من أملاكها أو تأجير أو بيع بعضها بسعر متدنٍ أو بخسٍ، ما يجعل المنفعة الكبيرة المتحقّقة من هذه الأرض محطّ استفادة أفراد معدودين أو مجموعات قليلة، وإن احتج البعض بالمنفعة المقابلة التي تعود لمجموع المواطنين جراء دخول مبالغ الإيجار ومبالغ البيع البسيطة جداً إلى خزينة الدولة، حبذا ألا يغيب عن نظره مدى حجم ما كان يدخل من مبالغ كبيرة لو أن وزارة الزراعة هي التي استثمرت هذه الأراضي ذاتياً، أو بالتشاركية فيما بينها وبين جهة حكومية أو تعاونية أو استثمارية.
طالما أن التشريعات القانونية تمنح الغير الحق بالدفاع عن ملكيته لأرضه، وحقه بعدم بيعها أو تأجيرها إلا بالسعر الذي يناسبه، وتمنع على الدولة استملاكها إلا بالمبلغ الذي يُقدَّر وفق الأسعار الرائجة، فمن المفترض أن تشمل هذه التشريعات المديرية العامة لأملاك الدولة –وفروعها في المحافظات-، وتحذرها من التقاعس في الدفاع عن أملاكها، واجتناب بيع أو تأجير أي أرض خلاف ما يقارب السعر الرائج في السوق، وعلى أن يكون عقد الإيجار لأجل قصير بغية تجديده بسعر يتناسب مع ما يحصل من المستجدات، وإذا كان تشريعات الإصلاح الزراعي التي صدرت في بدايات الستينيات، قد خوّلت الدولة سحب ملكية الأراضي من أصحابها الاقطاعيين وتمليكها للفلاحين، تطبيقاً لقانون الإصلاح الزراعي الصادر يومئذ، أليس بالإمكان إصدار تشريع يسمح بإعادة النظر في كثير من أراضي الدولة المؤجرة للغير باسم قانون الاستثمار ولم يتمّ استثمارها بعد، وإعادة النظر بالأراضي المؤجرة للغير بأسعار سنوية متدنية جداً، ورفع هذا السعر بما يتناسب والريعية المتحقّقة منها للمستأجرين، وتشريع عدم تأجير أملاك الدولة –أو بيعها- مجدداً للغير إلا بما يتناسب والسعر الرائج محلياً أياً كان هذا الغير فرداً أم جماعة؟!.
لا ريب أنه من الجائز أن تقوم المديرية العامة لأملاك الدولة بتقديم أرض -هبة أو بيعها أو تأجيرها- بسعر رمزي لجهة عامة من جهات الدولة، في ضوء قرارات وتوجيهات رسمية بذلك، لأن النفع اللاحق المتحقّق ستكون له صفة النفع العام، ولكن لا أرى جواز أن يتمّ (الهبة أو البيع أو التأجير) بسعر رمزي لصالح شرائح محدودة من التعاونيين بدافع تشجيع التعاون السكني، أو شريحة صغيرة من المستثمرين المحليين أو الأجانب، بدافع تشجيع الاستثمار، لأن صفة النفع العام هنا غير قائمة، بل هي خاصة بشريحة دون غيرها ولا مبرّر لذلك، وعلى أملاك الدولة أن تكون هي الجهة الأولى والأقدر على استثمار أملاكها، وتعمد لاعتماد خطط خمسية وسنوية لاستثمار العديد من عقاراتها، تبعاً لحالة الاستثمار الممكنة لكل أرض، لا أن يكون دورها محصوراً في وضع اليد على هذه الأراضي وتجميدها، إذ ليس من المقبول أن تكون هي المالك الأكبر للأراضي والأقل استثماراً لما تملك، ومن المفترض أن تكون قادرة على ذلك جزئياً من رأس المال المتوفر لديها، أو من رأس المال المتحقّق من بيعها لبعض العقارات، شريطة ضمان تحقّق نجاح المشاريع الاستثمارية الأولى، بما يدرّ ربحاً يؤسّس لتشييد استثمارات جديدة، وشريطة أن تعتمد نهج التشاركية في علاقتها مع قطاع التعاون السكني، بحيث تعطي أرضاً للجمعية التي تطلب ذلك بسعر السوق لقاء اكتتابها بمقدار قيمتها على شقق سكنية، تُستوفى قيمتها من مكتتبين عليها من الجهات العاملة في الدولة، وأن تعتمد التشاركية مع الجهات الاستثمارية المحلية والوافدة، بحيث يكون لأملاك الدولة حصة سهمية في كل مشروع استثماري، بما يعادل قيمة الأرض التي احتاجها المشروع الاستثماري من أملاكها، ومن المقتضى أن تعمد لاستكمال تحديد وتحرير بقية الأملاك العامة غير المحدّدة حتى تاريخه، وتسجلها على صحيفة أملاك الدولة، وأن تحدّ من توزيع أملاكها على أفراد أو جماعات تحت أي اعتبار، وأن تعمل باتجاه إبقاء مساحات كافية من أملاكها ضمن قطاع كل بلدية وكل قرية لغاية تشييد المنشآت العامة الإنتاجية والخدمية والسياحية عند الاقتضاء، فكثير من القرى خسرت هذه المنشآت بما في ذلك تشييد مدارس، نظراً لعدم وجود أرض لهذه الغاية.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث / صفحة اقتصاد، ليوم الثلاثاء 2 / 5 / 2017
العدد / 15825