عاد معرض دمشق الدولي إلى الازدهار من جديد رغم أنه لم يغب ..
عاد ليزين عنق الشام , مشاهدات أنعشت ذاكرتنا لسنوات خلت حيث كان المعرض في قمة تألقه وجماله ,
فكان بمثابة طقس تقليدي تمارسه الأسرة السورية في كل عام ولابد من زيارته فهو تقليد سنوي مرتبط بوجداننا ومزروع في أعماقنا بكل دلالاته ومعانيه من مركزه وسط أقدم مدينة في التاريخ مدينة دمشق حيث كان يستقبل الزوار والسائحين قبل أن يرتدي ثوبه الجديد على طريق المطار , ومع ذلك فالذكريات تعود وبكل قوة في هذا اليوم, ونحن نستعد لاستقباله بعد سنوات من الحرب اللعينة على وطننا , ذكريات تمر وكأنها بالأمس ..
يوميات
كان الشريط يمر أمام ناظرنا وقد طالعتنا أعلام الدول المشاركة ترفرف على مدخل المعرض بألوانها ومنسجمة مع صوت فيروز الملائكي الذي يصدح في أرجاء المكان (يا شام عاد الصيف مبتسما ..وعاد لنا الاقاح ), وهو يتمايل مع نسمات عليلة في دمشق الفيحاء , وختامها مسك كما يقال فكان المعرض نهاية ولا أروع لصيف بلدي حيث تتناغم مع المياه بانسيابية فنية في البحيرات الممتدة على كامل مساحة مدينة المعرض .
و النوافير الملونة تخرج من تماثيل موضوعة في وسط تلك البحيرات القديمة , ونوافير ملونة بألوان زاهية كانت ترتفع لتعانق نجوم الليل في السماء البعيدة منطلقة من وسط نهر بردى التاريخي الذي يشق مجراه بالقرب منه , ليزيد من المشهد العام للمعرض مما يزيده بهاء وروعة , فكان بداية للتجول في أنحاء العالم مطلعين على كل ما ينتجه من منتجات توزعت في أجنحة المعرض مشكلة سوارا يحيط جوانبه الأربعة .
وأنت تتجول بين ممراته الواسعة لتدخل من دولة إلى أخرى وكأنك زرت ذلك البلد فهو يحوي كل ما يشتهر فيه من منتجات صناعية وزراعية والكترونية وكهربائية ونسيجية وكل ما يشتهر فيه هذا البلد , منسقة بجمالية وترتيب رائعين ينم عن رفعة الذوق ولتنسيق في كل جناح نطوف فيه , من البلاد العربية إلى أميركا اللاتينية وحتى الاسكندينافية والآسيوية فكنت تطوف الكرة الأرضية عبر هذا المعرض , ومع هذه الزيارة التي تقوم فيها تستطيع شراء كل ما يلزمك عبر سوق البيع الخاص بالمعرض وبأسعار مناسبة ,وفي اغلب الأحيان كنا نشتري من بضائع وسلع يشتهر فيها بلد معين , كما حدث معنا في جناح الصين حيث كانت هناك التحف التي يشتهر بها هذا البلد بالإضافة إلى الفضيات الرائعة التي تنم عن روعة ومهارة صناعة هذا البلد .
المساحة الأكبر
ولكن الذي يأخذ أكثر الأوقات ولا ننهيه في يوم واحد هو جناح سورية الحبيبة التي كانت لها أقسام وأجنحة متنوعة حسب اختصاص كل جناح فالبعض يعرض المنتجات النسيجية بكل أنواعها والصناعات الزجاجية والخزفية التي تشتهر بها الشام خاصة , و الغذائية , وهناك ملحق بالصناعات اليدوية وبشكل حي ومباشر ليطلع الزوار على الخطوات المتبعة في الصناعات اليدوية الشهيرة , فتأخذ زيارتك ساعات عدة لتتم زيارة جميع الأجنحة والبعض كان يعود للزيارة حتى ينتهي من كل الأجنحة العالمية والعربية .
فن .. وموسيقا
وقد ترافقت مع أيامه التي امتدت لأكثر من عشرة أيام عروض فنية عربية وعالمية كانت تقام على مسرحه مسرح المعرض الدولي وكانت تحييه فرق عربية وأجنبية ولكن الذي مازال راسخا في ذاكرتنا مسرحيات الرحابنة والحفلات الفيروزية حيث تغص مدرجات المسرح بالناس والذواقين للموسيقا , وتتخلل الزيارة التسلية وأطعمة نستطيع شراءها من خلال عربات تتوزع في كل أنحاء المعرض , فالمعرض ليسر فرصة للإبحار بالمعرفة والعلوم ولكن أيضا للإطلاع على ثقافة الشعوب المتنوعة وانت في بلدك وعلى أرضك ووسط ناسك , هي فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة ينتظرها السوريون من كافة أنحاء القطر ومن جميع الجنسيات العربية والأجنبية والسائحين من مختلف أنحاء العالم بفارغ الصبر , بمزيج رائع من ثقافات العالم موزعة على ارض المعرض معرض دمشق الدولي , هو القليل مما كنا نشعر ونحس به ونحن نتجول في كافة أرجاء هذا المعرض ,وكأنها بالأمس لتنتهي تلك الزيارة وقد ملأت مخيلتنا بذكريات وصور لا تنسى تختزنها ذاكرتنا إلى اليوم من هذا المعرض الرائع والهام .
واليوم وبعد سنوات الحرب المريرة , يعود معرض دمشق الدولي ليمحي الدموع والآلام التي عانى منها السوريون على امتداد الوطن.. فأهلا وسهلا بك ..من جديد .