أي عامل أو زائر يتمعن مليا في واقع الكثير من الإدارات العامة الإنتاجية والخدمية، ير هدرا كبيرا يحصل في الكثير من نفقاتها دون أي مبرر، فمصروف المياه يزيد عن الحاجة الفعلية إذ يندر أن تخلو إدارة من صنبور مياه أو أكثر مفتوح ساعات طويلة وربما بشكل مستمر، أكان ذلك بسبب إهمال من مستخدمه أم نتيجة عطل لم يتم إصلاحه، ما يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من المياه، يترتب على أثرها نقص مياه في مكان آخر، وتحميل الجهة الحكومية نفقة في غير محلها، وعلى حساب ميزانيتها في الجانب الاستثماري، حال كان ذلك لديها.
الهدر التبذيري ينطبق على الكهرباء، إذ أن أغلب الغرف والردهات تحوي العديد من المصابيح، تحت عنوان أصول الإضاءة المتوجب توفيرها علميا، علما أن قليلها يكفي، ومع ذلك فكثير منها يبقى مشتعلا أغلب ساعات الدوام، رغم الإضاءة الشمسية المتوفرة عبر النوافذ، وقد يبقى بعضها خارج أوقات الدوام، فضلا عن استهلاك الكهرباء لمصلحة التدفئة في أوقات برودة عادية جدا، وهذا هو حال محروقات التدفئة حال توفرها، إذ كثير من المدافئ يتم إشعالها بغزارة، عدا المحروقات التي يتم استهلاكها لمصلحة الآليات والمعدات التي يمكن توفير الكثير منها، من خلال الاسغتناء عن الأخف حاجة الذي تغلب عليه المنفعة الشخصية لمصلحة الأكثر حاجة الذي تغلب عليه المنفعة العامة، وأيضا ينطبق هذا الهدر على الاتصالات، حيث أن بعض العاملين يستهلكون الهاتف المتاح لهم أكثر مما يحتاج إليه عملهم فعليا، وقد تكون هذه الكلفة قليلة جدا حال كان الاتصال ضمن المحافظة، ولكنها غير قليلة حال كان الاتصال خارج المحافظة أو بالأجهزة الخلوية، والمؤسف ذاك الهدر الذي يحصل نتيجة استخدام أجهزة الحواسب للهو أو لأمور شخصية، ومن المؤكد أنه يوجد هدر في استهلاك القرطاسية، إلا أنه قد يكون أقل نسبيا، ولا ننسى الهدر الحاصل في الضيافات، أكانت مشروبات الشاي والقهوة والزهورات أثناء الدوام، أم ضيافات الطعام والخدمات الفندقية التي تقدمها بعض الإدارات في بعض المناسبات، وما قد يرافق ذلك من فواتير وهمية، و من المتوجب الاستغناء الجزئي والكلي عن كثير منها.
وحري بنا الإشارة إلى الهدر الحاصل في ارتفاع نفقات الصيانة والإصلاح لدى العديد من الإدارات نتيجة عدم الاستخدام الأمثل للبناء والمعدات والآليات، ما يؤدي إلى تسارع إهتلاكها، والطامة الكبرى تظهر إذ لم تتم الصيانة ولا الإصلاح، ما يؤدي إلى تلفها، أو تم ذلك من خلال تسجيل مبالغ مالية في الفواتير تزيد عن المدفوع فعلا، وفي كلتا الحالتين يحصل لدى العديد من الإدارات، والهدر الأكبر يحصل من خلال الكثير من عقود شراء المواد والمعدات والإنشاءات والتجهيزات التي يجريها العديد من الإدارات مع جهات أخرى، وبما يزيد كثيرا عن الكلفة الحقيقية، والمؤسف أن بعضها يتم على حساب النوعية، ما يرتب لاحقا أعباء صيانة وإصلاح مؤسفة جدا.
ومن الأهمية بمكان ألا ننسى الهدر الحاصل في استثمار الطاقات البشرية والمادية المتوفرة لدى كل إدارة، والتي من المتوجب استخدامها على الشكل الأمثل، إذ من الملاحظ أن بعض طاقات العاملين مهدورة لقصور منهم أو لقصور في تعامل إداراتهم معهم، وكذا الحال بالنسبة لطاقة العديد من المعدات والآليات.
قد يستهين بعضهم ببعض جوانب هذا الهدر، ولكنه في حقيقة الأمر كبير في جميع جوانبه، ومن الضروري تكثيف الجهود لمزيد من الحد منه، عبر توجيهات واعتماد آليات لتحقيق ذلك، وأرى من المقتضى أن تعمل الإدارات العامة العليا والرقابات المتعددة وتحديدا الداخلية – باعتبار أنها ترى الهدر الحاصل مباشرة – لإعداد دراسات تظهر الحد الأقصى / كمية وقيمة / الذي تحتاج إليه كل إدارة من ماء وكهرباء واتصالات وصيانة الخ….. واعتماد توجيهات وآليات معينة توجه العاملين للتقيد بذلك بما يحد من الهدر، بالتوازي مع زيارات ميدانية مفاجئة، تقوم بها الجهات الإدارية العليا والعديد من الرقابات لجميع الإدارات، وفي أوقات مختلفة، لمراقبة مدى الالتزام، وإعطاء التوجيهات وفرض العقوبات المناسبة في ضوء كل زيارة، شريطة التركيز على التأكد من موضوعية العقود المبرمة، والاستئناس برأي المفاصل الرئيسية في كل إدارة، والعديد من العاملين الذين قد يكون لكثير منهم ملاحظات موضوعية بهذا الشأن، شريطة تقديم بعض الثناءات والمكافآت المحفزة للملتزمين بالتوجيهات والدالين على المخلين بها.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث ص / 3 / اقتصاد ليوم الاثنين 3 / 7 / 2017