كثيرة هي الوعود والعهود التي تتم بين جهتين أو أكثر شفهياً بشكل رضائي دون أي توثيق خطي، أكانت الجهة تمثل فرداً أم أكثر، وجميعنا يلمس الكثير من حالات الخلل المتمثلة بضعف أو عدم التزام أحد الأطراف بذلك، ما قد يؤدّي إلى أن يلحق بعض الغبن والظلم والخسائر بالطرف المتضرر من الخلل، وقد يترتب على ذلك منغصات اجتماعية ومآسٍ ونكبات اقتصادية تلحق بالطرف المغبون، وخاصة حال ظهور علائم اليسر على الطرف المُخِل، والبؤس على الطرف المغبون ما قد يغيظه ويثير غضب المتعاطفين معه والمنشدين مع الحق.
من نماذج الوعود أن يستدين أحدهم مبلغاً من المال ويعد الدائن بوفائه بعد مدة، ومن نماذج العهود أن يتعاهد اثنان يملكان حقلين زراعيين متجاورين على أن يعطي الأول حقله للثاني لزراعة الحقلين معاً موسماً زراعياً، شريطة أن يكون للأول حق زراعة الحقلين معاً في الموسم التالي، ومثل هذه الوعود والعهود تبقى رضائية شفهياً، مستندة إلى الثقة بين الأطراف، دون توثيق عقدي، وتنفيذها مرتبط كلية بأخلاقية الأطراف المتعاهدة أو المتواعدة، ومدى الالتزام بها يعود إلى الأعراف والقيم الاجتماعية السائدة، وفي كثير من الأوساط الاجتماعية يحظى المخل برجل ذي صفة اجتماعية /وجيه قوم– شيخ– مختار– عضو في جمعية– عضو في منظمة شعبية…./ يؤنّبه ويردعه، بغية إنصاف الطرف الآخر المتضرر من عدم الوفاء بالوعد والعهد، علماً أن الوفاء هو الأكثر حدوثاً قياساً إلى نسبة الناكثين بوعودهم وعهودهم.
من اللافت للانتباه أن العقود الرسمية الموثقة هي التي تشهد الكثير من الخلل في التنفيذ والالتزام، ما كان منها بين أفراد أوجهات خاصة، أو بين جهات عامة، أو بين جهات عامة وخاصة، والأمثلة على ذلك كثيرة قديماً وحديثاً، إذ ما زال كثير منا يتذكرون الكم الكبير من المواطنين الذين تزاحموا على أبواب المصارف قبل عقود للتسجيل على شراء سيارة والحصول عليها قريباً، مقابل دفع /30/ ألف ليرة سورية تدفع في المصرف، وبعد انتهاء التسجيل انتظر المكتتبون سنوات عديدة ولم يتم استيراد السيارة، فاستردّ المكتتبون مبلغهم الذي أصبح ذا قيمة زهيدة قياساً إلى ما كان عليه يوم التسجيل، ومثل ذلك الكثير من الأبنية والتشييدات التي نظمت بها عقود إنشائية بين جهات عامة وعامة أو عامة وخاصة أو خاصة وخاصة واستغرق تجهيزها أضعاف المدة التي كانت مدرجة في العقد الأساسي، وربما أصبحت كلفتها أضعاف الكلفة الأولية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وكثير من الذين اكتتبوا على مساكن لدى متعهدي القطاع الخاص أو في الجمعيات التعاونية السكنية، عانوا من تضاعف مدة استلام المسكن وكلفته التقديرية لعدة مرات، ومثلهم من سجّلوا على السكن الشبابي قبل سنوات، ولم يستلموا ضمن الخمس سنوات الموعودة، علماً أن بعض الخلل يعود إلى عدم التزام المكتتبين بتسديد الدفعات المالية المتتابعة المستحقة عليهم، وقد ترتب على هذا التأخير المديد الذي حصل أن كثيرين من المكتتبين لم يعد بمقدورهم الاستمرار، لأن الكلفة الجديدة للمسكن زادت كثيراً عما كانت عليه يوم الاكتتاب، كما لا يخفى على أحد مثل هذا الخلل في كثير من عقود شراء المواد والتجهيزات التي تعود إلى إدارات عامة أو خاصة، أكان بسبب التأخير في الوفاء بالعقد، أم بسبب سوء نوعية المواد المستجرة خلافاً لما هو منصوص عليه في العقد.
بغية ضمان التخفيف من مخاطر حالات الخلل في تنفيذ العقود مدَّةً ونوعيةً، ولغاية ضمان حق طرفي العقد -وخاصة الطرف الأضعف- في تنفيذه ضمن المدة والكلفة المحددتين والنوعية المنصوص عليها، أرى من الضروري العمل رسمياً وشعبياً، على نشر ثقافة التعاقد الخطي، باتجاه أن تكون جميع الوعود والعهود والعقود موثقة، وأن يصدر تشريع رسمي يضمن التزام جميع الأطراف المتعاقدة بتأمين ضمان تنفيذ عقودها لدى شركة تأمين متخصصة يتم الترخيص لها، أو لدى عدة شركات موجودة مستعدة لمثل هذا النوع من التأمين، بحيث يدفع طرفا العقد مبلغاً مالياً لهذه الشركة مقابل ضمانتها لتنفيذ التزام طرفي العقد بما ينص عليه، على أن تحدّد حصة كل طرف حسب ثقله المالي في العقد، وأن تكون شركة التأمين معنية بتحمل وتحميل الطرف المخل تبعات إخلاله، وهنا قد يكون لشركة التأمين دور في تضمين العقد بعض الالتزامات التي قد تخفف من حالات الإخلال بالتنفيذ، وبالتالي أقترح أن تعمد شركات التأمين إلى النزول إلى هذا الميدان التأميني، على غرار نزولها في ميدان التأمين على الحريق والوفاة والشيخوخة والحوادث والسيارات والسفن في البحار والمحيطات والطائرات في الجو.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في الصفحة الاقتصادية من صحيفة البعث ليوم الاثنين 21 / 8 / 2017 العدد / 15909