بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
لا اعتقد أن الأسرة السورية مرت بظروف أصعب مما تمر به حالياً على الصعيد المعيشي وفي تدبير أمورها المادية رغم كل ما يقال عن التحسن في الأوضاع العامة والاقتصادية تحديداً وانعكاسات ذلك على المواطن… فالأسعار لا تزال مرتفعة جداً وتزداد ارتفاعاً في حين أن الرواتب والأجور لا تزال تراوح مكانها وتزداد الهوة اتساعاً فيما بينهما مخلفة العجز والحرمان من أبسط مستلزمات العيش الكريم..
في ظل هذا الواقع المؤلم تعيش غالبية الأسر والعائلات السورية من ذوي الدخل المحدود.. فأي حياة تعيشها هذه الأسر إذا كان متوسط راتب رب الأسرة الموظف لا يتجاوز الـ 35 ألف ليرة… وكم يوم يكفي هذا المبلغ.. وكيف يتدبر المواطن أموره، خصوصاً أن بعض الدراسات تؤكد أن الأسرة السورية تحتاج إلى أكثر من 200 ألف ليرة كمصروف شهري لتدبير احتياجاتها… وليبقى السؤال الشهير”نحنا كيف عايشين؟!!” بلا إجابة..
لا نريد لأحد بعد الآن أن يفلسف الأمور ويدعونا إلى مراجعة حسابات الوضع العام في البلد ويذكرنا بتراجع الموارد والإيرادات واستنزاف الخزينة والعجز الاقتصادي والحصار وما كان مخططاً لنا وكيف استطعنا تغيير المعادلات وما إلى ذلك… فكل ذلك لم يعد مجدياً ولا مقنعاً، فالوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي نمر به ليس بسبب العقوبات ولا بسبب تراجع الموارد بل هو نتيجة الفشل في رسم السياسات الاقتصادية والنقدية والتي تنعكس بشكل مباشر على المواطن، وهو بسبب استمرار هدر المال العام والفساد والمحسوبيات وانعدام الرقابة الفعلية والمحاسبة.. وهو نتيجة الفشل في تحديد الأولويات والخطط والبرامج التي يجب ان يكون هدفها الأول والأخير هو تحسين معيشة المواطن وليس أموراً بعيدة جداً عن هذا الهدف.. والأمثلة أكثر من أن تحصى، وما عليك سوى مراقبة الأخبار وما ينتج عن الاجتماعات الرسمية من قرارات وما تقوم بها هذه الوزارة أو تلك من مشاريع لا تصلح أن تنفذ حتى في أوقات السلم والرخاء… فهل نحن نعيش في انفصام عن الواقع وعن يوميات المواطن السوري إلى هذا الحد؟؟؟
أما شماعة الدولار وسعر الصرف ومبررات ارتفاع الأسعار فتلك الشماعة أثبتت خرفها وزيفها… فكم من مرة ارتفعت الأسعار في حين كان سعر الدولار ثابتاً ومستقراً.. وكم من مرة انخفض سعر الدولار وبقيت الأسعار ثابتة لا بل عاكسته بالارتفاع.. وباختصار فهذا هو عجز أو تهاون وفي كلا الحالتين هو فشل ولا بد من المحاسبة والتدقيق.. فمن الذي سيحاسب ومن الذي سيتخذ القرار بالمحاسبة ويحاسب .. أظن أننا بحاجة إلى عناية فائقة وعناية إلهية لتخرجنا من هذا المأزق الصعب الذي لا ينفع معه اتباع سياسة الهروب إلى الأمام وتغيير الوقائع وقلب الحقائق.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما يتحقق على أرض الميدان من انتصارات يحققها جيشنا الباسل على كامل الأرض السورية المقدسة يجب أن يقابله انتصارات يحققها الفريق الاقتصادي وتنعكس نتائجها على الوضع المعيشي للمواطن العادي والبسيط والذي يضحي بأبنائه ويدفعهم إلى ساحات القتال كقرابين للشهادة أملاً بتحقيق النصر الكامل لبلدنا… فهل نرد لهم المعروف بالتجاهل والإهمال وبالأذى كما يحصل الآن؟!!
ما نحتاجه الآن هو إعادة النظر في السياسات الاقتصادية بشكل سريع والنظر بعين المواطن العادي البسيط وليس بعين كبار التجار أو أصحاب المهن “الراقية” أو رجال الأعمال أو المسؤولين.. ما نحتاجه هو النزول إلى الشارع والتعرف عن قرب على أحوال الناس ومعاناتهم والعمل على تأمين الحدود الدنيا من مستلزمات العيش الكريم عبر إعداد وتنفيذ خطط اسعافية سريعة وخطط استراتيجية بعيدة المدى.. وعندها فقط تكون البوصلة قد أشارت إلى الاتجاه الصحيح..







