لعلّ الإعصار الفيسبوكي، وما عصفت به مواقع التّواصل الاجتماعي، من ردود أفعال على المناهج التّربوية الجديدة، وكتبها، وأغلفة هذه الكتب، وما تضمّنه بعضها من خربشات شعرية مُتلبّسة بأثواب “قصائد”؛ والتي استحضرت بكثير من الجلال والإكبار روح شاعر الطّفولة الخالد: سليمان العيسى؛ ما يدلّ على أهمية مفردات العملية التّربوية في وعي الجمهور، ويشي بتماهيه مع منتقدي هناتها وزلّاتها إن لم نقل متصيّدي أخطائها.
وبعيداً عن سجالات اللّحظة الرّاهنة، فيسبوكيةً كانت أم تويترية؛ والجدل الدّائر -على سبيل المثال لا الحصر- حول صوابيّة تغيير سبعة مقررات دفعة واحدة لصفّ واحد كالأول الثانوي العلمي، من دون توفير الكتب للطلاب، أو حتى لمعلميهم ليتسنى لهم إعطاء الدّرس كواجب مهني، أو الاطّلاع على المنهاج كأضعف الإيمان، أو ما يحتدم من نقاشات حول صحّة إدخال مقرّر التربية الدّينية لطلاب الأول الابتدائي، وليس انتهاءً بتسويق مفردات من خارج وعائنا المعرفي وقاموسنا اللغوي ك: “طش” و”إش” في زيّ قصيدة.
فلا بدّ من تذكير القيّمين على تربية أجيالنا والأوصياء على مناهجنا بأنّ ثمّة مدارس في الغرب ترصّع ردهاتها بمقولة: “إنَّ التعليم هو جواز سفرنا إلى المستقبل؛ لأن الغد مُلك لأولئك الذين يُعدّون له اليوم”.
فإلى أيِّ مدىً نستطيع إدراك ثراء هذه المقولة، ونعي مرادها؟ وهل نحن بحاجة إلى تجديد الأهداف، وبلورة الخطط لنقيس عليها المخرجات فنعبر إلى مستقبل أرحب بهذا الجواز؟ ثمّ أي مستقبل نبتغي حتى نتجاوز الماضي، ونُبرمج الحاضر بما يتلاءم مع متطلبات التربية الحديثة لتحقيق التوازن المنشود بيننا وبين عالمنا؟.
لننتقل بعدها إلى السؤال الأهمّ: هل مؤسساتنا التعليمية نجحت في تأسيس ثقافة أن التعليم ليس في تلقين الحقائق والمعلومات وحفظها، بل بإطلاق روح الابتكار والإبداع وحلّ المشكلات، ونشر ثقافة تعليمية مدروسة بخطط واعية، وأهداف مناسبة قابلة أنْ تُتَرجم على أرض الواقع في نهاية العام بمخرجات إيجابية، ونبدأ عامنا بأهداف جديدة قابلة للتحقّق ترسم وعينا كأمَّة لها رؤيتها ومتطلباتها من خلال برامج تربوية وجامعية وإعلامية مخطّط لها؟ وبما يحقق بناء الإنسان على أهداف توعوية تراعي الجانب العقلي، والنفسي، والصّحي.
كلٌّ منا يؤمن بأهمية التّربية والتّعليم، وأن الناشئة هم الثروة الحقيقية لهذا المجتمع، واللَبِنَة التي نؤسس عليها، وننقش القواعد التي نرفع عليها بُنيان أوطاننا. هذا المستقبل يتفيّأ بين ذراعي الأسرة والمدرسة، الكليّة، والجامعة، ويتداخل معهما الإعلام والمجتمع والأقران وغيرهم. والمرحلة التعليمية تُعدّ من أهم مراحل حياة الإنسان؛ ففيها يتجدّد، ويلتقي بالأصدقاء، ويختلط بشرائح وأطياف عدة، ويكوّن عالمه الخاص بفضل هذا التفاعل الإيجابي بينه وبين أقرانه، وينشئ علاقات طيبة مع معلميه، ويبني الذكريات السعيدة التي سوف تُخلّد بذاكرته إلى الأبد، وفي كل مرحلة دراسية جديدة يضيف أشخاصاً آخرين إلى حياته. وحين يتخطى عتبة المرحلة الثانوية مُنتقلاً إلى العالم الأوسع حيث الجامعات والكليات والمعاهد سيجد الجواب الكبير أمامه: إنّك تتعلّم لتحقّق ذاتك، وترسم غايتك، لتكون أنتَ، لتكون لكَ بصمة في الحياة تترك بها أثرك.
وإذا كانت المعرفة مخزوناً ثقافياً متنوعاً عميقاً، فإنَّ التعليم بُنية وتربية وفن ورسالة للنهوض من مستنقع الجهل والتخلف والسّطحية، وأهم عناصر نجاحه يكمن في نضج السياسة التعليمية وحكمتها القادرة على قراءة الحاضر والمستقبل معاً، وتنفيذ الخطط والبرامج برؤية متوازنة تلائم حاجات المجتمع التعليمية مع بناء المتعلم الذي هو محور العملية التعليمية، وهذا لن يتأتّى إلا بتنمية حب المعرفة عند المتعلم، وبتوافر المنهج العصري المناسب لكل مرحلة، والبيئة المدرسية الصّحية. فعلى المؤسسة التعليمية أنْ تَعِي أيَّ نوع من التعليم تنشد، فنحن بحاجة إلى تعليم الأبناء ما يضمن لهم التوازن المنهجي، والاستقرار المعرفي، وحرية الفكر، والتعبير عن الرأي بعيداً عن التخبّط في القرارات والرؤى والتجارب؛ ولن يتأتى ذلك إلا بتأسيس اللبنات منذ الصفوف الأولى، فبعد إجادة القراءة والكتابة علينا محاربة أسلوب التلقين والحفظ باجتراح مناهج تعليمية تفتح آفاقاً أرحب للجدل والمحاكمة والحوار والإقناع، لنربّي متعلمين قادرين على مواجهة متطلبات الحياة، وتغيّرات العصر.
والحال أنّ على وزارة التربية توخّي الدّقة والحكمة، والابتعاد عن الخفّة في صناعة المناهج التعليمية، بما هي صناعة أجيال، ومواكبة المناهج المتقدّمة القائمة على بنوك معرفية رقميّة، والانتهاء من تبرير الأخطاء بالتّعليق على مشجب الأزمة وخصوصيّة ما تمرّ به البلاد من ظروف استثنائية..!؟.
البعث-بين قوسين
- الرئيسية
- مقالات
- عثرات تربويّة..!؟-أيمن علي
عثرات تربويّة..!؟-أيمن علي
- نشرت بتاريخ :
- 2017-09-14
- 6:55 ص
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
تابعونا على فيس بوك