عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية:
كثيرة هي المنظمات الموجودة في بلدنا، التي أحدِث معظمها بعد قيام ثورة الثامن من آذار، والتي تشكّل ظاهرة إيجابية جداً، لما لها من أدوار سياسية واجتماعية مهمة، ولكنها تصبح ظاهرة إيجابية بامتياز، عندما يكون لها حضورها الاقتصادي الإنتاجي أيضاً، بشكل مستقل أو بتشاركية موثقة قانوناً مع جهات أخرى عامة، وحتى مع جهات خاصة –في ضوء دراسة اقتصادية موضوعية معللة- شريطة أن تكون الحصة الأكبر للمنظمة، فالمصلحة الوطنية العامة تتحقق عبر تكامل الأدوار السياسية والاجتماعية والاقتصادية معاً، لمجموع الجهات أو لبعضها، أو حتى لجهة واحدة فقط.
فعدد المنظمات السياسية في قطرنا يحوم حول العشرين، وعدد المنظمات الشعبية والنقابات والاتحادات المهنية يحوم حول نصف هذا العدد، والعاملون في هذه المنظمات يعدّون بالآلاف، بين مندوبين لها ومعينين على ملاكها، وهذه المنظمات تملك مئات الآليات التي معظمها وسائل نقل خاصة، وأيضاً تملك مئات الأبنية المجهزة بالأثاث اللازم، كل ذلك يرتب نفقة شهرية بعشرات الملايين من الليرات السورية، وليس لدى أغلب هذه المنظمات أي مصدر دخل يدر عليها بعض هذا الإنفاق، وحال كان ذلك موجوداً فعائديته ضعيفة، وربما كانت سلبية، عدا الاشتراكات الشهرية المقتطعة من حسابات الأعضاء المنتسبين لهذه المنظمات، ما دفع باتجاه تمويل جزئي لبعض هذه المنظمات من الميزانية العامة للدولة، على حساب الإنفاق الاستثماري.
واقع الحال يظهر أن لدى القليل من المنظمات بعض المشاريع، ولكن أغلبها ذو طابع خدمي، فلنقابة المعلمين جمعيات تعاونية استهلاكية وصيدليات صحية ومدارس وروضات خاصة، ولاتحاد العمال تعاونيات استهلاكية وصيدليات صحية، ولكن غالباً ما ظهر أن العائد المتحقق من عديد هذه المشاريع هو أقل من المتوجب والممكن نتيجة بعض حالات الفساد والقصور القائمة التي أعلن عن بعضها، ما دفع باتجاه الترويج لتأجيرها للغير بحجة تحقيق دخل أعلى، بدلاً من معالجة قصورها وفسادها، وإبقائها تعمل لمصلحة المنظمة.
ويبقى السؤال المشروع أين الدور الاقتصادي الإنتاجي للمنظمات، لماذا لا يكون لجميع المنظمات منشآت اقتصادية إنتاجية في محافظة أو أكثر، تبعاً لحجم المنظمة ورصيدها المالي، أليس من المتوجب أن تعمل هذه المنظمات باتجاه تأسيس مشاريع إنتاجية تملكها أو بتشاركية مع الغير بغية توفير دخل شهري من إنتاجها يغطي بعض أو كل نفقاتها، وبذل الجهود لتحقيق فائض يوزَّع بعضه كمكافآت على أعضاء المنظمة كلها، أو للحالات الخاصة من الفقراء والمنكوبين، أو يتم ادخار قسم منه في المصارف العامة لاستخدامه في حالات الطوارئ، أو التأسيس لاستثمارات جديدة، أو للمساهمة به في الميزانية العامة للدولة..؟.
فعلى مستوى المنظمات السياسية لماذا لا يكون لحزب البعث – الحزب الأكبر والقائد والرائد- منشأة اقتصادية إنتاجية ملك له في أكثر من محافظة، تبعاً للحالة الاقتصادية فيها، وأن يديرها بشكل أنموذجي يجعلها قدوة للمنشآت الأخرى في كفاءة ونزاهة إدارتها وأريحية عمالها وجودة إنتاجها وضعف كلفته وأفضلية عائدية ربحيته، والحال نفسه لبقية الأحزاب وخاصة الأحزاب الجديدة التي تشكو من ضعف تمويلها، فلماذا لا تسعى هذه الأحزاب إلى دور إنتاجي يموّلها تمويلاً ذاتياً، فالحزب الذي ينبري لبناء وطن، أليس من المتوجب أن يكون بمقدوره أن يبني منشأة، والحال نفسه لبقية المنظمات الشعبية، فلماذا لا يكون لاتحاد العمال منشاة اقتصادية أو أكثر في كل محافظة، أو أن يكون طرفاً رئيساً مشاركاً في أكثر من منشأة اقتصادية قديمة /بوضعها الراهن متوقفة أو خاسرة/ أو جديدة قيد الإحداث، وهو الأكثر حديثاً عن الهم الوطني وحقوق العمال، والحال نفسه بالنسبة لبقية المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية، فلماذا لا يكون لنقابة المهندسين أفضل مؤسسة في الصناعات الهندسية والتقنية، ولماذا لا يكون لاتحاد الحرفيين العديد من المؤسسات الحرفية في كل محافظة، وأن تكون مركزاً تدريبياً وإنتاجياً في آن واحد، ولماذا لا يكون لاتحاد الفلاحين العديد من المزارع ومنشآت التربية الحيوانية العائدة له، فلتبادر المنظمات باتجاه ذلك دون الحاجة إلى قرارات أو توجيهات من السلطة، ولتتبارى هذه المنشآت فيما بينها وبين منشآت القطاع العام والقطاع الخاص، في جو تنافسي رياضي، يهدف إلى توفير أفضل سلعة بأقل كلفة وأدنى سعر، وقادرة على منافسة السلع الأجنبية في السوق المحلية والخارجية.
هذا المقال منشور في صحيفة البعث العدد/ 15948/ ليوم الأربعاء 11 / 10 / 2017