بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
إنها قوة وشطارة أن تعمل بعض الإدارات لتغيير الواقع وكسر حواجز الروتين وتفتح أقنية الحوار الجريء مع الإدارة الأعلى لمعالجة خلل ما أو تقصير قد يطال شريحة أو منطقة ما.. وبالمقابل إنه ضعف وكسل وتهاون عندما تستكين بعض الإدارات للواقع وتستسلم للبيروقراطية وتلتزم بتطبيق حرفية القانون وما يمكن أن يتضمنه من غبن وحيف بحق المواطن دون أن تحرك ساكناً..
وفي كلتا الحالتين السابقتين تلعب قوة الشخصية والثقافة العامة والخبرة الدور الأساسي لفعالية الإدارة ونجاحها بالخروج عن النمط الروتيني المتمثل بتوقيع البريد والالتزام بالإرث البيروقراطي والخضوع للسلطة الأعلى بلا أي اعتراض أو نقاش بسبب الجبن والخوف وانعدام الكفاءة والإحساس بالمسؤولية ..
الأمثلة كثيرة من حولنا عن أنماط إدارية فريدة من نوعها مستوحاة من قوة الشخصية ومن فهم وإدراك لأهمية المنصب والمسؤولية الملقاة على عاتق المدير.. والأمر لا يتعلق فقط بالحقوق والواجبات وتنفيذ القانون بل بمحاولة استباق الآتي وتسريع الخطوات وتبسيط الإجراءات وتطبيق روحية القانون والبحث في “ثغراته” الإيجابية، وتسخيرها لصالح النفع العام إن صح التعبير..
ما أشير إليه ليس علماً من علوم الإدارة بل هو فناً مكتسباً من واقع العمل بالشأن العام ومن الخبرة في معترك الحياة ايضا.. فأن اجتمعت الإرادة الصادقة في أي إدارة وتوافر معها الذكاء والمرونة وقوة الشخصية ممزوجة بكم مناسب من الثقافة العامة فبالتأكيد سينتج عن ذلك إدارة ناجحة وصالحة يمكن أن تقود المؤسسة بنجاح مؤكد رغم كل القيود البيروقراطية والمطبات القانونية التي قد تعرقل عمل المؤسسات العامة بذرائع الالتزام بالقوانين والأنظمة..
ما أوجزته آنفاً يقودنا إلى مسألة اختيار أو حتى انتخاب الإدارات ذات الكفاءة العالية والمتمكنة بعيداً عن المصالح الضيقة والمحسوبيات وقصر النظر كما يحصل اليوم.. فالجميع يدرك أننا نعاني من خلل كبير في معايير تعيين الإدارات، وبنفس الوقت -وللأسف الشديد- تثبت الوقائع أن العملية الديمقراطية والانتخابات لم تنجح في إيصال الأكفاء إلى الأماكن التي يستحقونها، وفي كلتا الحالتين نحن أمام أنصاف حلول، وحالات عشوائية ونماذج متعددة من إدارات ذات انتماءات لاعتبارات مختلفة وصفات غير متجانسة خاضعة للمحتوى الثقافي والعلمي والفكري والمادي للشخص وللظروف المتعلقة بطريقة وصوله الى موقعه في هذه الإدارة أو تلك….
إنه مرض إداري مزمن وقد لا يكون له حلول في المدى المنظور فالعرف المتبع في تعيين الإدارات مستمر في التجذر والإنغماس في البيئة الحاضنة وما يحيط فيها من محسوبيات ومصالح شخصية ضيقة وبعيدة عن أي اعتبارات مهنية وإدارية سليمة..
*أعيد نشرها







